عمر إبراهيم الرشيد
تُعرَّف الطبقة الوسطى في المجتمع بأنها الطبقة الواقعة في منتصف الهرم الاجتماعي بين الطبقتين الفقيرة والثرية. وهذا التعريف للعالِم الاجتماعي الألماني ماكس فايبر. وتحرص كل دولة تروم الاستقرار والرفاهية إلى توسيع وتقوية هذه الطبقة؛ إذ هي التي تدفع بأصحاب المهن الحيوية، كالطب والهندسة على اختلاف تخصصاتهما، والتعليم والقانون والصيدلة، وغيرها من تلك المهن التي لا يتحقق الاستقرار والنمو والتطور لأي دولة ومجتمع إلا بها. كما أنها كلما قويت وتوسعت كانت أقدر على رفع المزيد من المنضمين إليها من الطبقة الفقيرة، حتى تتقلص تلك الطبقة، ولا أقول تنتهي؛ لأن ذلك وإن تحقق في بعض الحقب والنوادر التاريخية، وعلى فترات ليست بالطويلة، فإنه مطلب مثالي صعب المنال. وهذا المفهوم عن دعم الطبقة الوسطى هو ما نعرّفه ببرامج التنمية، ورفع مستوى المعيشة، ودعم التعليم والصحة؛ لأنهما الأساسان اللذان تعتمد عليهما باقي القطاعات.
وأي اختلال في الإفادة من تلك البرامج التي تقدمها أي دولة، أو في الإمكانات والثروات الاقتصادية والأسواق، بمعنى تمكُّن فئة قليلة من الاستحواذ على سلع بعينها، أو احتكار خدمات أو ما شابه، فإن ذلك يؤدي إلى سقوط منتمين للطبقة الوسطى في أتون الطبقة الفقيرة، مثلما يحدث في بعض أسواق الأسهم على سبيل المثال لا الحصر؛ إذ إنه كلما ارتفع بشكل مفاجئ وصاروخي كما يقال فرد من الطبقة الوسطى إلى الثرية سقط إثر ذلك عشرة أفراد من الطبقة الوسطى إلى الفقيرة في عملية اقتصادية غير متوازنة وغير متساوية الفرص.
ألّف الباحث والأكاديمي الفرنسي كريستوف جيلوي كتابًا قبل أشهر، وعلى وقع أحداث ثورة (السترات الصفراء)، أسماه (لا مجتمع، نهاية الطبقة الوسطى الغربية). وهو قراءة متزنة وموضوعية لما يحدث في فرنسا والغرب بشكل عام من رفض للوضع الاقتصادي الراهن. وما ثورة أصحاب السترات الصفراء إلا أحدث أشكال ذلك الرفض. وفي هذا الكتاب وصف كريستوف ما يحدث منذ أكثر من نصف قرن في الدول الغربية بأنه «مذبحة للطبقات الوسطى في الغرب». كما أنه اقتبس عنوان كتابه من حديث لرئيسة وزراء بريطانيا الملقبة بالمرأة الحديدية! حين قالت عام 1987: «لا يوجد شيء اسمه مجتمع، هناك رجال ونساء وأفراد، وهناك عائلات». ولا أدري بماذا نسمي كل هذا المزيج البشري إذا لم نطلق عليهم اسم (مجتمع)؟! فيا للعجب. وعمومًا، فلقد أطلق الإعلام البريطاني، ومن ثم الغربي، على تلك المرأة لقب (سارقة حليب الأطفال) حين قررت وقف تقديم الحليب إلى طلاب المدارس، وهي التي أدت سياساتها إلى تقليص برامج دعم الأسر متوسطة ومحدودة الدخل في بريطانيا، وتقليص دور نقابات العمال، وإغلاق مناجم الفحم، وكذلك بيع كثير من القطاعات التابعة للحكومة إلى مستثمرين محليين وأجانب ضمن تحويل الاقتصاد البريطاني إلى اقتصاد السوق البحت.
ونعود إلى كريستوف غالوي الذي قسّم كتابه إلى ثلاثة فصول رئيسية (الأول: على أنقاض الطبقة الوسطى، ظهور عالم الأطراف. والثاني: اللا مجتمع. والثالث: القوة الناعمة للطبقات الشعبية). وقد تحدث فيها عن كيفية تخلي الحكومات الغربية عن الصالح العام في خططه الاقتصادية؛ وهو ما أدى إلى دخول المجتمعات الغربية في اختلال اقتصادي واجتماعي عن طريق تآكل الطبقة الوسطى بإمكانياتها المهنية والاجتماعية والاقتصادية.
والخطورة بالنسبة لفرنسا أن تلك الطبقة تشكل 50 - 60 % من المجتمع، أي إنها المجتمع كله تقريبًا.
في المملكة، وعندما أطلقت الرؤية 2030، التي لا تقتصر بالطبع على الجانب الاقتصادي، وإنما تشمل المجتمع والثقافة، وغيرها من المحركات التنموية، فإن أحد أهدافها توسيع ودعم الطبقة الوسطى من المجتمع عن طريق برامج التنمية، ودعم فرص العمل والتنمية الاجتماعية للطبقة الدنيا لرفعها إلى الوسطى كما قلت.
وبلا جدال فإن أي برامج أو سياسات اقتصادية لا بد أن تتم مراجعتها وتطويرها بين فترة وأخرى. وهذه إحدى سمات السياسة التنموية للحكومة السعودية - أيدها الله -؛ لأن هدفها الإنسان السعودي والمقيم على هذه الأرض. إلى اللقاء.