عبد الرحمن بن محمد السدحان
* لم يراودني الحلم وأنا في شرخ الصبا قبل أكثر من أربعين عامًا أن أعزف على (وتر) الحرف مقاطعَ من هموم النفس وهاجسها، وذِكْرها وذكرياتها! كان للكتابة في خاطري شغف، فعشقتها عن بعد، وبدأتُ أرسم حروفي الخجولة على الورق بأصابع ترتعش حياءً، لكنني لم أُعِرْ ذلك الخجل اهتمامًا لأن حروفي في تلك السن لم تبلغ بعد من نضج الإحساس مستوًى يُطربُ وجداني!
* * *
* هكذا، وُلِدَ (الحرف) في خاطري على استحياء قبل أكثر من (40) عامًا، وكنت يومئذ أخجل من حرفي البكر لأنه لم يحرك في خاطري فرحًا ولا فخرًا!
* * *
* ورغم ذلك، قرّرتُ الاستمرارَ في (ملاحقة) الحرف، وازداد كلفي به وحرصي عليه بعد أن قرنتُ حبِّي له بالقراءة المكثّفة لأئمة الحرف وسدنته في ذلك العصر والأوان، فَرحتُ أقرأ كل ما تيسّر لي من أدب طه حسين وأحمد حسن الزيّات ومصطفى لطفي المنفلوطي حدَّ الإدمان، طمعًا في أن يتغذى قلمي الوليدُ بشيء يسير من أساليبهم الرفيعة!
* * *
* كان أبلغ درس تعلمته في ذلك الزمان الغابر أن ولادة الحرف الجميل لا يمكن أن تنشأ بين عشية وضحاها، ولكن بالصبر والثقة ثم بتكثيف القراءة الجادة في أكثر من حقل من حقول المعرفة ما استطعت، ولأكثر من مؤلف، قناعةً مني بأن القراءةَ هي المَعِينُ الذي تمتصُّ منه موهبةُ الكتابةُ غذاءَها!
* * *
* شغفت بادئ الأمر بأدب (الرسائل الخاصة)، فكتبت لثلة من أصدقائي عبْر أزمان مختلفة كانوا يقاسمونني عشْقَ الحَرف، منهم من تجاوب معي إعجابًا، ومنهم من أوْقر سمعي ناصحًا بألاّ أستعجلَ في عشق الحرف حتى يَشتدَّ متْني، ويزداد حصادي من معينه، وكنت أُنصتُ بوقار إلى نُصْح هذا وإشَادة ذاك، ثم كتبت في مجال القصة فلم أفلح، لأن الكتابة في هذا المجال ليست بالأمر الهيّن لكل من قصده!
* * *
* شهدتُ صحفيًا ميلادَ حرفي الأول في صحيفة (القصيم) بمدينة الرياض، وأكرمني بعض الكُتَّاب المعاصرين آنئذ بالدعم الجميل والنصح بأن أُكثّفَ جهدَ القراءة، وكان من بين من حثني على الصمود في مسار الكتابة من كُتَّاب ذلك الزمن المرحوم خالد محمد خليفة، صديق سيدي الوالد (رحمه الله) ورفيقُه في العمل، رغم علمه أن سيدي الوالد كان متردِّدًا في حثّي على طلب ودّ الكتابة خوفًا على مستقبلي الدراسي!، وكان عزائي الكبير قناعتي بأن ما أجابهه من صعوبات في مشوار الكتابة أمر مقبول، وأن النجاح في هذا المجال لا يولد بين عشية وضحاها، فصبرت ما وسعني الصبر، في الوقت الذي قَدَّرتُ فيه كل التقدير تحفّظَ سيدي الوالد لخشيته أن يجْرفني تيارُ الكتابة إلى متاهات لا أملك لها صدًّا ولا ردعًا!
* * *
وبعد..
* كنت ألحُّ على نفسي بالصبر على تحديات القلم وإغراءاته وما تلتقطه أذناي بين الحين والآخر من همسات، إطراءً أو نُصْحًا لي بهجر الكتابة البريئة ولو إلى حين! ولكنني بفضل الله كسبت رهان الكتابة بعد عودتي من أمريكا، ثم كان من أمري ما كان حتى يومنا هذا، والحمد لله من قبل ومن بعد!