محمد سليمان العنقري
يتركز النشاط العقاري في القطاع السكني بعد التوسع بالقروض العقارية للأفراد. وبدأت تزداد وتيرة الترخيص لمشاريع جديدة أو مخططات سكنية، وتنوعت البرامج التي تطرحها وزارة الإسكان، لكن بكل تأكيد تحويل العقار لصناعة لا بد أن يأخذ وقته المناسب من حيث تطوير الأنظمة، وزيادة تدفق الاستثمارات، وضمان حقوق كل الأطراف، وأيضًا الانتقال من مرحلة زيادة نسب تملك السكن إلى استراتيجية مستدامة بنشاط هذا القطاع الحيوي الذي ينعكس على الناتج الإجمالي بالاقتصاد بشكل مباشر وكبير؛ وهو ما يعني أن المصلحة من التوسع بنشاط العقار السكني لها العديد من الفوائد التي يجنيها الاقتصاد بزيادة الاستثمار لرفع نسبة المحتوى، وكذلك توليد فرص عمل بمجالات عديدة، تخدم هذا القطاع.
ولعل من بين الحلول التي يمكن أن تسرع بتنشيط القطاع السكني، وتسريع تملك السكن وتيسيره بتكاليف مناسبة، هو التركيز على زيادة الجمعيات التعاونية السكنية؛ فنظامها معتمد، ويوجد حاليًا نحو خمس أو ست جمعيات، لكنه رقم محدود جدًّا؛ فعدد هذه الجمعيات في الكثير من دول العالم يعد بالآلاف، وفي دول أوروبية - على سبيل المثال - أسهمت هذه الجمعيات في بناء نحو 25 % من مساكن تلك الدول، حتى ببعض الدول العربية تعد هذه الجمعيات مفتاح الحلول لتملك السكن؛ فلهذه الجمعيات أدوار عديدة يمكن أن تخدم بها الاقتصاد الوطني؛ إذ يمكن أن تسهم ببناء مساكن بتكلفة مناسبة ومنخفضة عن السوق، وتلعب دورًا في تخطيط الأحياء الجديدة وفق مواصفات حديثة، تراعي أنسنة المدن. ومن خلال البرنامج القائمة على التعاون يمكن لها توفير الكثير من الجهود والأموال في رحلة تملُّك السكن، إضافة لدورها في دعم الادخار عبر الدفعات التي يتم سدادها دوريًّا من قِبل المشتركين.
كما أنها يمكن أن تساعد في دعم زيادة التدفقات الاستثمارية، وزيادة حركة التمويل بنسب مقبولة، لا ترفع من تكلفة تلك المشاريع، وتنشط قطاعات عديدة، مثل التشييد والبناء ومواد البناء والعديد من الأنشطة التي يصل عددها إلى نحو 110 أنشطة، تستفيد من صناعة العقار التي ستنتقل مع هذه الجمعيات لمرحلة ضبط التكاليف، وانسيابية في طرق ومسارات تملك السكن. ويمكن لكل الجهات الحكومية أن تسهم بهذه الجمعيات من خلال طرحها كبرامج تملك سكن لمنسوبيها على أراضٍ تملكها تلك الجهات، ويمكن أن تخصصها لهذه المشاريع بتكاليف معقولة؛ وهو ما يسهم في سرعة توازن العرض والطلب، ويعيد تقييم العقارات لأسعارها العادلة مع مرور الوقت. ولن يقتصر قيام هذه الجمعيات على جهات قطاع عام، بل يمكن طرحها لمنسوبي شركات كبرى بالقطاع الخاص أو لسكان مدن بشكل عام، أي أن تطرح بتنوع يجذب نسبة كبيرة من شرائح المجتمع، بما في ذلك إقامة جمعيات إسكان للشباب لفئة عمرية محددة حتى تبدأ بالادخار منذ بداية حياتها العملية، وفي سن مبكرة، أي الفئات التي أعمارها بين 20 و30 عامًا على سبيل المثال.
نظام هذه الجمعيات موجود، وهناك تجارب وإن كانت محدودة حاليًا، ويوجد العديد من الجهات التي يمكن أن تسهم في إزالة العقبات أمام التوسع بهذه الجمعيات، ومراقبة أدائها ونتائجها، إضافة إلى أنظمة وزارة الإسكان وهيئة العقار، وأيضًا هيئة عقارات الدولة، وغيرها من الجهات الإشرافية والرقابية؛ وهو ما يمكن أن يعزز من دور هذه الجمعيات في وقت قصير، ويرفع من نسب تملك السكن، ويوجد خيارات ترفع من التنافسية بالسوق، وتسهم في تنوع المنتجات، وتغيير جذري بخارطة تكاليف بناء المساكن، ونماذج الأحياء؛ لتكون مريحة، وتكتمل فيها المزايا والخدمات كافة التي يحتاج إليها سكانها.