الهادي التليلي
نيوزيلندا حاربت كورونا بالثقافة وبهدوء، واستطاعت أن تكون أول بلد في العالم يتخلص من كورونا تمامًا، وفعليًّا، لا بالأسلحة الكيميائية والأدوية الموروثة عن أوبئة سابقة، وإنما بالثقافة والمنسوب العالي لوعي أبنائها. هذا البلد القابع في جنوب غرب المحيط الهادئ، الذي تهدده الزلازل والأحداث الطبيعية ومصائبها في كل آن، قدَّم درسًا للصينيين واليابانيين والأمريكان والروس والأستراليين وحتى البريطانيين أنفسهم، وكل العالم، في رباطة الجأش والتحضر للتخلص من آثار جائحة كورونا. هذا البلد المتسامح الذي أبهر العالم ساعة تعرَّض المسلمون من سكانه لاعتداء إرهابي، والطريقة الراقية السلسة التي عولجت بها المسألة، وزادته محبة واحترامًا من كل الشعوب، وأولهم المسلمون.
هذا كله وغيره يبرر سر انبهاري بثقافة هذا البلد، وما يحمله السقف المعرفي له من معانٍ ودلالات. نيوزيلندا وهي تعلن اليوم انتصارها على جائحة كورونا فعليًّا بإلغاء كل إجراءات التباعد الاجتماعي، وكل تبعات الحجر الصحي، تعطي للعالم والبلدان التي ما زالت لم تخرج بعد من عنق زجاجة كورونا أملاً وحلاً، كما تقدم بهندستها الاجتماعية والحضارية منوالاً للشعوب التي تحتاج إلى الوعي بقيمة الانخراط الطوعي في الخطاب الصحي العام للبلد. فميزة الشعب النيوزيلندي ثقافته العالية، هذه الثقافة التي جعلته يطبق كل إجراءات الحجر الصحي وتفاصيل التباعد الاجتماعي بهامش خطأ ضئيل جدًّا.
وليس جديدًا على نيوزيلندا هذا الألق الذي يليق بها؛ فهي الرائدة عالميًّا في مجالات عدة، كالتعليم والصحة والأمان الاقتصادي، ورفاهية العيش في المدن، وانعدام الفساد المالي، كما تعد من البلدان التي توجد بها أقل نسبة بطالة في العالم، بنسبة تقل عن 3.5 %.
نيوزيلندا نجحت فلماذا لا ننجح بتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي حتى نزيح هذه الجائحة، ونستعيد تقاربنا؛ لأن تباعدنا الآن تأسيس لتقارب دائم بلا جوائح أو فواصل.. فكأنما نيوزيلندا تقول بهذا النجاح: الالتزام بتعليمات الصحة والسلامة أمامكم، وكورونا من ورائكم.