د. أحمد الفراج
كتبت مرارًا عن أمريكا، وأنها دولة مؤسسات، وبالتالي لا يستطيع الرئيس أن يرسم من السياسات ما يشاء، فالسياسة الأمريكية لا تسير بهذه الطريقة، وأمريكا ليست بلداً يستطيع الحاكم فيه أن يقرر ما يشاء، فالسياسات في أمريكا يخطط لها وترسم لعقود مقبلة، عطفاً على استراتيجيات، تقدمها الكفاءات في مراكز الدراسات والبحوث، وهذه السياسات يتم اتخاذها تبعاً للمصالح والمصالح فقط، فالرئيس في النظام السياسي الأمريكي صاحب نفوذ، ولكنه يظل جزءا من صناعة القرار، فهناك الكونجرس، وهناك لوبيات المصالح، التي تعد أحد معالم واشنطن دي سي، فالرئيس أوباما، على سبيل المثال، في مناظرته مع المرشح الجمهوري، جون مكين، في عام 2008، وعد الأمريكيين بأن تتوقف حاجة أمريكا لنفط الشرق الأوسط في حلول عام 2016، ونعرف التطورات التي حدثت في سوق النفط منذ ذلك الحين.
ثم دعوني أرجع بكم لأيام الثورات العربية، فرغم كل ما حدث في مصر من انتفاضات على نظام حسني مبارك، إلا أن أمر الرئيس أوباما له بأن يرحل كان هو من أسقط نظامه وليس الثورة، ومثل ذلك حدث مع ابن علي، الذي لم تسقطه الثورة، بل غادر تونس بأمر من قائد الجيش، كما كرّرت كثيرًا بأن من أسقط معمر القذافي هو حلف الناتو وليس الثوار، وعلمنا لاحقًا عن علاقة الإدارة الأمريكية بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، التي كان مهندسها السيناتور، جون كيري، ثم جاءت الكاشفة، عندما روجت المنصات الأمريكية لتنظيم الإخوان المسلمين، ومن ضمنها بعض المطبوعات اليمينية المحافظة، وعلى رأسها فورين بوليسي!، والتي اختارت مجموعة من قيادات الإخوان ليكونوا رجال عام الثورات العربية، وذلك رغم أن تلك المطبوعات تعد الإسلام ألد أعداء الحضارة الغربية، والخلاصة هي أن أمريكا دولة مؤسسات، وسياساتها الخارجية ترسم حسب المصالح، مع التأكيد على أن الرئيس القوي يستطيع حرف مسار بعض السياسات، كما يستطيع اتخاذ قرارات حيال القضايا المستجدة، شريطة ألا يتجاوز الخطوط الحمراء للسياسات المرسومة.