سلمان بن محمد العُمري
المتأمل في آيات القرآن الكريم يجد فيها آيات كثيرة حثَّت على الإنفاق في سبيل الخير؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
وأفضل العمل أدومه وإن قَلّ. وبالوقف تتحقق الديمومة في الصدقة الجارية، واستمرار عمل البر والخير الذي تبقى ثمرته، وتدوم منفعته إلى يوم الدين، كما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
وعلى الرغم من الجهود المبذولة في قطاع الأوقاف للتعريف به وبمناشطه إلا أنها غير كافية، وضعيفة جداً، وتكشف عن وجود حلقات مفقودة بين القطاع الثالث كله والإعلام.
وإذا كان واجب الجهات المختصة إعطاء الوقف ما يستحق من مكانة واعتناء واهتمام على مختلف المستويات، فإن على الزملاء الإعلاميين وكوادرهم ومؤسساتهم واجبًا ومسؤولية تجاه إبراز العمل الخيري والوقفي، ورسالته النبيلة، وإيضاح الصور الوضاءة عن مناشطهم وأعمالهم.
إن دور الإعلام في مجال الوقف كبير؛ فلا يمكن الوصول إلى الغاية النبيلة التي من أجلها شرع الوقف إلا بالتوجيه والتناصح والتوعية والشفافية لعموم الناس. ووسائل الإعلام والقائمون عليها هم قاعدة ذلك وبوابته؛ فالوقف يجسد أروع صورة من صور التكافل الاجتماعي التي نادى بها ديننا الحنيف. والمسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً؛ يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}.
وهذه هي القاعدة التي يجب أن نضعها نصب أعيننا دعوة لأنفسنا، وتوعية لإخوتنا، خاصة في هذا العصر الذي صار للإعلام فيه الدور البارز الكبير؛ ذلك لأن توجيه الأمة وتوعيتها دلالة لها على الخير، الذي للدَّال عليه كأجر فاعله، والله تعالى يقول في محكم تنزيله: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . ومَن منا لا يسعى إلى الفلاح والنجاح والسعادة المقيمة؟
وفي الوقت الذي نطالب فيه الإعلام بالقيام بدوره وواجبه، بل لومه وتقصيره أحياناً مع المؤسسات الوقفية، إلا أن التقصير يشمل كثيراً من القائمين على المؤسسات الخيرية بصفة عامة، والمؤسسات الوقفية على وجه الخصوص، وعدم تعاونها مع وسائل الإعلام. ولدي شواهد كثيرة على هذا الأمر، وسيكون له مقالة خاصة.
إن علينا توضيح الحقيقة لمن التبست عليه، وتنبيه من غفل عنها، وهي أن أعمال الأبدان تنقطع بموت الإنسان فلا يبقى له إلا ما أبقاه من عمل صالح، يستمر ثوابه له بعد الموت.
والوقف في الإسلام صدقة جارية إلى ما شاء الله، ولأهمية تكامل وتكاتف مختلف قطاعات المجتمع لإحياء سنة الوقف فإن وسائل الإعلام بأشكالها كافة ينبغي أن تقوم بحملات مكثفة للتوعية بأهمية ودور الوقف في المجتمع الإسلامي، وحث رجال الفكر والعلم والأدب على المشاركة في هذه الحملات، إضافة إلى العلماء والمشايخ، من خلال الندوات التلفازية والإذاعية والمجلات والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، مع أهمية التنبيه إلى ضرورة مشاركة رجال المال والاقتصاد والسياسة والتخطيط لتحقيق الغاية المرجوة؛ فكلما تضافرت الجهود على تأدية عمل معين كان له أثره القوي البارز في صلاح حياة الفرد والأمة مما يرجى معه أن يكون الثواب عند الله أجزل وأعظم. ومن هذا المنبر أرى من الأهمية بمكان أن تنشط الهيئة العامة للأوقاف، واللجان الوقفية في الغرف التجارية، والجمعيات الخيرية، وكل ما له صلة بالوقف من جمعيات علمية وخيرية؛ للإسهام في نشر ثقافة الوقف في المجتمع السعودي، والتعاون مع وسائل الإعلام وفق خطط وبرامج مرسومة.