هدى مستور
إخراج: مايكل كارني (مخرج)
تأليف: لين فينسنت (اقتباسا عن كتابه) رون هول (سيناريو)
الفيلم يمثل هذا الصنف من الأعمال الدرامية، الذي يخلو من كثرة الأحداث والأشخاص، والصراعات، تدور قصته الحقيقية حول حلم رأته زوجة أحد أثرياء تكساس، يدور حولها وزوجها ورجل ثالث، وقد قلب حياتهم رأساً على عقب، بعد أن نجحوا في إخراج الجانب الحقيقي المشرق الكامن في عمق الإنسان.
«من بين القطع الفنية الفريدة الموضوعة بعناية في غرف فيلا بمساحة كبيرة بتكساس، يستعد بطل الفيلم للخروج مغادراَ بيته المُدمر - بحسب تعبيره - إلى جهة ما، إذ ينوي خوض تجربة جديدة عليه؛ وهي كتابة قصة حياته وزوجته ديبي التي - كما يصفها - «وسع قلبها تكساس بأكملها».
يشق الطريق بين مباني تكساس، وسهولها، حتى تنتهي رحلته الطويلة إلى بيت ريفي ضخم، يدخله، وهناك تستقبله امرأة سمراء تخبره أن وجهته المسمى خوليو يصفه بأنه كاتب ! أما ما يثير شجونه أكثر هو سؤالها التالي: هل هي قصة حقيقية ؟ فيجيب بتنهيدة عميقة: نعم.
يجهل المشاهد سبب تجشمه مشقة السفر، إلى ذلك البيت الريفي القاطن وسط الغابة الفسيحة، إلى حين دخول صديق قديم له يخيره بين غرف بيته ليبدأ بكتابة قصته، والتي بدأت قبل عامين:
يعود بنا الزمن لهذا المشهد، وهو يحاول تثبيت إحدى اللوحات الفنية الشهيرة، على حائط، بمنزله، بينما يترك زوجته الوادعة تتأمل في محتوى اللوحة، يؤكد عليها حال خروجه أن تصطحب الأولاد لمعرضه المقام تلك الليلة.
تنتهي فعاليات المعرض المزدحم بالزوار، إلى مشادة كلامية، بعد مكاشفة بينه وزوجته التي أُبلغت عن خيانته لها.
وفي تلك الليلة الغارقة في الحزن، تضع ديبي رأسها على المخدة لتغرق في حلم غريب :-فهناك امرأة تحتضر، ترقد على السرير، وبينما هي تسير بدهاليز المشفى إذ يفتح باب المصعد لساحة عشبية خضراء، تلتف حولها الأشجار، ينتصب في وسطها رجل طويل القامة بملابس رثة، يلتفت صوبها فإذا هو رجل أسود، تشعر ديبي تجاهه براحة عجيبة، تتبعه، ثم لا تلبث أن تلتفت باتجاه الغابة، هناك أشجار متشابكة موحشة، تتوغل فيها على خوف ووجل، تلمح زوجها مرتدياً بزة رسمية سوداء- يلبسها الرجال عادة في مناسبات العزاء- وبوجهه المتجهم الحزين يحفر بمسحاة قبراً، تستيقظ ديبي مذعورة.
ومن هنا تبدأ نقطة التغيير في حياة ديبي ورون.
تذهب توقظه، تسأله عن رقم عشيقته تهاتفها بهدوء: لا ألومك، أسامحك وأرجو أن تجدي زوجاً صادقاً، ويحبك كما أنني ورون كنا نحب بعضنا، وإن لم أنجح معه سيعود إليك !.
لم تشأ زوجة الثري رون أن يحاول ترضيتها، بمعاطف فراء أو خواتم ماس، كما يفعل النسوة عادة، كان ثمن إرضاؤها شيئاً مختلفاً غير المدينة بأسرها.
وبصحبتها، تطلب منه أن يقف بسيارته المرسيدس الفارهة أمام إحدى الشوارع البائسة، حيث يتسكع المشردون جنباً إلى جنب مع مكبات القمامة.
يدلفان إلى إحدى الجمعيات الخيرية، يحاول التملص بإظهار الاشمئزاز وبالاعتراض للعودة حيث قائمة مواعيده، لا تلتفت ديبي صوب توسلاته حيث تطلب منه مشاركتها في مهامها التطوعية، والتي يبدو أنها كانت تمارسها خفية، وقد اعتادت عليها.
توزع الوجبات للمشردين تسبقها ابتسامتها الصادقة، وتصحبها نظراتها العطوفة المحبة، تحرص على إقامة علاقات تواصل وتعاطف واحترام بكل المشردين، وتقديم الدعم والمساندة النفسية كما فعلت مع العرجاء كلارا.
وفجأة أثناء تناول الوجبات، يخرج عليهم رجل أسود ثائر، يهدد بالقتل ويكسر بعصاة البسبيول بيده الزجاج، الجميع فزع منه إلا ديبي فقد كانت قوية في مواجهته، تذكرت الأسود الذي رأته في حلمها فقد كان هو نفسه !
تحاول إقناع زوجها للبحث عن عنوانه والتلطف معه والتعرف عليه، يذعن لها الزوج الباحث عن عفوها ورضاها، وكلما اقترب من سويسايد - الأسود المعتوه - تكشف له أن وراء المجنون الثائر يرقد حكيم وقور، وأن خلف الصراخ المرعب، صوت أجش رزين، ووراء المتسكع بعصا البيسبول للإرهاب والتخويف، رجل باحث عن المعرفة شغوف بالحكمة. تفجر ذلك كله، مقابل اعتراف حظي به، ومعه قليل من حب واحترام.
لم يغير ذلك الاكتشاف دينفر الاسم الحقيقي لسويسايد بل غير معه رون التاجر الثري الحريص لإنماء ثرواته، إذ أصبح يفضل قضاء كثير من الوقت بصحبته، شيئاً فشيئاً، أحل رون القيم محل الأشياء، والحب والتعاطف، بدلاً عن الغضب والجفوة والابتعاد - كموقفه من والده - وخدمة المشردين والمعوزين، بدلاً من مطاردة الثروات.
نجاح الزوجان في إخراج الطهر والنقاء من داخل طبقات الحقد والكراهية التي عاشها دينفر طوال مراحل عمره لاسيما معاناته في طفولته من الاضطهاد العرقي، والعنصرية المقيتة، من قبل الجنس الأبيض، وما عقبها من تجارب مرة. قوبلت تلك الاعترافات بتقبل الزوجين وتجاوزهما اعترافاته في ماضي حياته، هذا ما وطد العلاقة بين الثلاثة معاً.
وأترك لكم متابعة تأويل الجزء الآخر من الحلم.
الذي نكتشف معه كيف يمكن لقليل من الحب أن يفعل بنا المعجزات.