في ضواحي المملكة وبين الوديان والهضاب وسفوح الجبال، تقبع قرى تراثية متناثرة، تفصل بينها مسافات زمنية، تمكنت للبقاء من الماضي البعيد؛ لتحكي لنا آثارها تاريخ الأولين.
إرث فني يحمل عبق التاريخ، حرك فضول المهتمين؛ لتصبح تلك الآثار أماكن استقطاب عالمية، فالمعالم الأثرية والقرى التراثية أماكن جذب للكثيرين من داخل المملكة وخارجها.
قديما كانت توجهات منظومات الحفاظ على التراث، لا تتعدى القيم البيئية والتاريخية أو الجمالية للمكان، ولم يكن الاقتصاد ضمن دائرة حفظ قيم التراث حتى الماضي القريب، ولكنه أصبح توجها أساسيا لتأهيل القرى؛ لأهمية أدوار المجتمع المحلي في تنمية المناطق التراثية ثقافيا واقتصاديا.
وبالرغم من أن عنصر الاقتصاد في نظر البعض من القيم الفظة، إذ لا مجال للربط بين التراث الموروث والعائد الاقتصادي، إلا أن ما يحدث من تطورات عالمية، غيّر من منهجية توجهات الحفاظ على المواقع التراثية؛ لتصبح موثوقة بالتنمية المحلية.
إن من الركائز الرئيسة للرؤية الوطنية 2030 توسّع القاعدة الاقتصادية، وتوفير بيئة تساهم في إمكانات الأعمال مع إيجاد فرص عمل للمواطنين.
فالجوانب الاقتصادية من مشاريع ترميم المباني وتأهيل القرى التراثية، تعد مدخولات مادية مهمة، لها تأثير إيجابي كبير على الموارد التراثية وأصحاب العقارات والمستثمرين واقتصاديات الموارد الطبيعية وأنشطة السكان.
فالفعاليات والمناسبات، وتقديم الأنشطة الزراعية والحرفية والألعاب والفنون وغيرها، مهمة لتنوع المساحة الثقافية في المكان.
وذلك ما جعل منظمات الحفاظ على التراث تنظر إلى الحالة الاقتصادية بشكل متزايد، وإلى فرص العمل الممكنة للنمو الثقافي والاقتصادي معا.
إن الأولويات القصوى للتأثيرات الاقتصادية في القرى التراثية تكمن في الوظائف ودخل الأسرة، والتركيز على تنشيط حركة وسط المدينة بحضانة الأعمال الصغيرة والمتوسطة، فكثافة العمل هي عامل التأثير على الاقتصاد المحلي.
ففي الاقتصادات المتقدمة بالكامل، وفي العالم النامي، وفي الاقتصادات القائمة على السوق، هناك من يجادل بأن في فترات الانكماش الاقتصادي، يجب أن يتم الإنفاق العام لخلق فرص عمل، فالوظائف بلا شك تزيد من الإنفاق والمصروفات.
إن تأهيل القرى التراثية مشروع مهم وعملاق، يتعلق بالتنمية الاقتصادية للمناطق، ويعزّز ميزان المدفوعات، كما أنه ينمي اقتصاديات المناطق المهجورة بما تحمله من زخم وإرث تراثي؛ ليحقق الاستدامة الشاملة للموارد التاريخية، فالإرث الثقافي هو أمن اقتصاد القرى التراثية.
** **
د. رنا منير القاضي - متخصصة تأهيل قرى تراثية