أ.د.محمد بن حسن الزير
في مطلع عام 1261هـ توجه الإمام إلى الأفلاج لمعالجة خلافات محلية، كما وجه الأمير جلوي بن تركي إلى سيح آل حامد، وانتهى الأمر إلى دخولهم في الطاعة، وكما اهتم الإمام بحل النزاعات، وقمع المخالفات، اعتنى بتأمين سبيل الحاج إلى مكة، ومن ذلك قيامه، آخر هذه السنة، ضد أولئك العجمان الذين قطعوا طريق حجاج الأحساء والقطيف والبحرين واخذوهم، فتمت ملاحقتهم، وانسلخت العربان عن زعيمهم، الذي ظفر به الإمام بعد ذلك سنة 1262هـ، وتم الإمساك به ونال عقابه كما نال أمثاله من هؤلاء الذين يمثلون الظلم والتعدي على أمن الناس وأموالهم.(انظر ابن بشر 2 - 111-114).
وفي هذه السنة، وبعد عودة الإمام إلى الرياض، قدم عليه رؤساء العربان فكساهم وكتب لهم عطاء، وأصدر قرارات إدارية لتدعيم مواقع الدولة سياسيًا وقضائيًا تمثلت في أوامر بتعيين أمراء لتولى الإمارة في بعض البلدان؛ حيث عين عبد العزيز بن مشاري بن عياف أميرًا على وادي الدواسر، وأقام به أربعة أشهر، ثم عاد مرة أخرى أميرًا في سدير، كما عين حسن بن مشاري بن عياف أميرًا في الأفلاج، وأمر على عبدالله بن بتال المطيري مع عدة رجال بالذهاب إلى الأحساء للمرابطة عند أحمد السديري، كما عين الشيخ محمد بن إبراهيم بن سيف قاضيًا في حائل. (انظر ابن بشر 2 - 113). وفي سنة 1263هـ عين الإمام فيصل محمد بن أحمد السديري أميرًا في ناحية سدير ومنيخ والطويرف والزلفي؛ يقول عنه ابن بشر واصفًا له (2 - 114): «وكان رجلاً عاقلاً على صغر سنه فاضلاً سمحًا جوادًا كثير الحلم والأناة وعليه الهيبة والوقار وله مثل أخلاق أبيه وزيادة».
وفيها زيّن لمحمد بن عون الشريف بعضٌ من أعداء آل سعود، وبعضُ أتباعه، وأغروه بأن يسير إلى نجد غازيًا وأن فيصل لن يثبت له، فأطمعته نفسه لذلك، فخرج من مكة ومعه خالد بن سعود، وعساكر من الترك، ووفد عليه بعض العربان ومن كاتبه من أهل بعض البلدان، ولما علم فيصل بذلك، كما يقول ابن بشر (2 - 115): «استنفر رعيته من أهل العارض والجنوب والمحمل وسدير وغيرهم، وأمر على ابنه عبدالله أن يركب من الرياض، وجهز معه الخيل والرجال فخرج منه في جمادى الأولى وقصد ناحية سدير ونزل المجمعة، وتكاملت عليه جنوده فيها، فلما علم الشريف بذلك داخله الفشل..» وأرسل إلى فيصل في الرياض بطلب الصلح مع ابن لؤي؛ ولكنه انتكس فركب الإمام من الرياض، وأمر ابنه ومن معه بالتوجه من المجمعة إلى شقراء « فلما علم الشريف بذلك داخله الفشل وحل به الرعب والوجل، وقنع باليسير بعد الكثير، وشتم المعين والمشير، وأرسل مرسوله ابن لؤي إلى فيصل ثانيًا للمصالحة الأبدية والمسالمة المرضية..»(ابن بشر2 - 115) وقبل منه الإمام على شروط تم التزام الشريف بالوفاء بها، وبعد ذلك أرسل الإمام ابنه (عبد الله) لإخضاع فئة كثر أذاهم على المسلمين، كانوا مجتمعين على ماء (البناع) عند القويعية.
وفي هذه السنة، اقتضت الأحوال أن يجري الإمام بعض الترتيبات الإدارية الجديدة؛ حيث أرسل بعض العمال لقبض الزكاة على الوجه الشرعي، وفي آخرها عين (ناصر بن عبد الرحمن السحيمي) كما أرسل لأهل الفرع والحوطة سرية لمعالجة ما وقع من بعض أهلها من مخالفات، وقد انصاعوا وقدموا على الإمام في الرياض وبايعوه، كما توجه إلى منطقة الخرج ونظر في عيونها ورتب حصونها، كما عين ابنه (سعود) أميرًا في تلك المنطقة، فنزل قصر الدلم، وقام بإصلاح تلك الناحية، وعمر ما خرب منها على حد تعبير ابن بشر.
وحين عاد الإمام إلى الرياض وفد عليه فيها وفود من أمراء البلدان ورؤسائها للمبايعة والسلام؛ من مثل محمد بن جلاجل، عامله في القصيم في مهمة الخرص الموسمية، وعبد العزيز بن محمد رئيس بريدة، وناصر السحيمي أمير عنيزة، ومتعب بن عبدالله بن رشيد أمير جبل شمر، وفي سنته هذه أصدر أوامره بإرسال سرية إلى عمان، تحت إمرة (عبد الرحمن بن إبراهيم) ووجه، كما يقول ابن بشر (2 - 117): «الأمير أحمد السديري أن يمدهم بعشرين رجلاً من الأحساء، وأمرهم أن ينزلوا قصر البريمي المعروف في عمان، وفي آخرها بعث الإمام سرية مع سلمان بن منديل العمري إلى وادي الدواسر؛ لأنه حدث منهم بعض الخلاف؛ فقدم سلمان الراوي وأدب أهل الخلاف، وأخذ منهم نكالا، ورجع إلى وطنه» وفي السنة التالية 1264هـ، حدث من بعض العربان عدوان على بعض الحجاج، وهو أمر لا يتهاون بشأنه، فقصدهم بنفسه لتأديبهم، كما قدم عليه من كان منه خلل في مرات سابقة يطلبون منه الصفح فعفا عنهم، كما أرسل سرية لمعالجة سوء تدبير بعض الولاة في عمان، وهو ابن طحنون، وقد تمكنت السرية، بعد قتال وبمساعدة للسرية من قبل كل من سلطان بن صقر صاحب الشارقة وابن مكتوم صاحب دبي، من التمكن من ابن طحنون في قصر البريمي، وإخراجه واسترداد ما أخذه من المسلمين.
وفي سنة 1265هـ كابد الإمام بعض ظواهر الخروج عن طاعة الإمام في القصيم، ومنابذة الجماعة، وهي ظواهر من بقايا تأثير العسكر التركية، التي لا تفتأ تحاول تفرقة الكلمة، فحشد الإمام جموعه وسار به من الرياض في أواخر ربيع الآخر، وحين وصل إلى المذنب خرج إليه أهلها وبايعوه، وكتب إلى أهل القصيم يقول: «إنه لا يستقيم دين إلا بجماعة، ولا يكون جماعة إلا بالسمع والطاعة وإنكم نبذتم أمرنا وخرجتم عن طاعتنا، وقد علمتم أن الحرب نار وقودها الرجال، وإنه ليعز على قتل رجل من المسلمين؛ فلا تكونوا سببًا في إهراق دمائكم، وادخلوا فيما دخلتم فيه أنتم وآباؤكم. فأرسلوا إليه رجلاً من رؤساء أهل بريدة يقال له (مهنا الصالح) وذكر للإمام أنه جاء للصلح» (ابن بشر2 - 122) فقبل منهم دخولهم على الطاعة وصفح عنهم؛ ولكن بعض أهل القصيم، برئاسة (عبد العزيز بن محمد) حصل منهم مخالفة ونكث وتعد على سرية من المسلمين، فكر عليه (عبدالله بن فيصل) في وقعة اليتيمة، وكانت وطأتها عليهم شديدة، فهرب رئيسهم عبد العزيز، ثم إنهم انقادوا للإمام، وطلبوا عفوه وإحسانه وتوسطوا بالشيخ عبدالله أبابطين قاضي القصيم؛ فقدم على الإمام وهو في المذنب، فأكرمه وقبل شفاعته فيهم، وأظهر له عفوه عنهم، وجعل أخاه جلوي أميرًا على جميع بلدان القصيم ونواحيها حاضرة وبادية، وكانت هذه الولاية عاملاً قويًا لاستتباب الأمن واستقراره فيهم وديارهم.