توقفت حركة الصناعة والتجارة، وغابت كل مظاهر الترفيه في اللحظة «صفر» ليختفي معها صوت مشاهير الإعلام والسياسة والاقتصاد، ولينشغل المجتمع بكلّ أطيافه بحثًا في ماهية الفيروس وسرعة انتشاره والوقاية منه، وهل هو ابتلاءٌ إلهيٌّ أصاب البشرية بعد ظلمٍ عمَّ وانتشر برًّا وبحرًا، أم هو جُرمٌ تسرَّب من مختبراتٍ قَيْدَ تصنيعه، أم هي زوبعةٌ إعلاميةٌ لفيروسٍ حقيقيٍّ ظهر وسيمضي كغيره، والله أعلم بماهيته.
الأيام المقبلة علمها عند ربي في كتاب وقدر محفوظ، غير أننا من نحدد وجهتها في هذا الإطار واختيار المقعد المناسب.
بدءًا من حديث حسن الظن بالله (أنا عند ظن عبدي بي)، مروراً بحديث (كان يعجبه الفأل)، وانتهاء بحديث (من رضي فله الرضا).
لنعلم أن الله معنا وأن الحياة بكل مجرياتها ستهون. لا نعلم ماذا تخبئ لنا الأيام المقبلة ولكننا نخبئ حسن الظن بالله.
مدرسة كورونا ومناهجها وفصولها ومدخلاتها ومخرجاتها ليست بمعلومات سعيدة، والفصول التي طرحت ووضعت في هذه الجائحة وكم المعلومات والدروس التي أخذناها ودرسناها وتعلمناها واستوعبناها على مقاعد الحياة من منهجها، وتم اختبار مدى صبرنا وتذمرنا، وهذه هي الحياة لا تدوم على حال واحد، ولا تبقى على وتيرة واحدة، ودوام الحال من المحال ما بين عسر ويسر وما بين ضيق وفرج، لن أقف هنا لأعدد الدروس التي استفدنا منها أو التي ينبغي أن نوطن أنفسنا للاستفادة منها في هذا الدرس التربوي والاجتماعي والنفسي. فكل منا لديه وعاء وحقيبة ودفتر ملاحظات لدى ذاكرته وقلم قلبي يسكب ويسجل به فوائد ونتائج زمانه. وكلٌّ منّا عاش التجربة بكُلِّ نكهاتها ومشاعرها، وأعتقد أننا قادرون على تحليلها وكتابةِ قائمةٍ من المخرجاتِ سَلْبيةً كانت أم إيجابية.
بالفعل ستبقى درساً لنا وتأمل لذواتنا وفرصة لتغيير المسار إذا لزم تغيره وإعادة بناء أنفسنا وتقييم حياتنا وأخذ الوقت للتأمل والتجديد، ولا يوجد شيء ثابت في هذا الكون فكل المتغيرات في حياتنا ومن حولنا تحمل في طياتها وبطونها بذور التغيير. وهذه الأزمة أتاحت ووضعت فرصة وبصمة لتعلم دروس لا تقدر بثمن. وتعتبر نقطة تحول في حياتنا للأفضل بإذن الله تعالى.
شاهدنا ولاحظنا وقرأنا واستوعبنا كثرة الكتابات التي تحدث أصحابها من كلا الجنسين عن هذا الدرس والضيف الذي أحل بالعالم أجمع. ولله الحمد والمنة والفضل كانت كثرتها للاطمئنان بأن الحدث محل استيعاب الجميع ودروسه كذلك.
سيأتي الربيع يومًا ما
هذا حدث من أكثر الأحداث المأساوية التي مرت على البشرية. مثله مثل الحروب والأوبئة السابقة. وفي العصر الحديث لم نشهد حدثًا جللاً قد أرعب العالم ككل من بعد الحرب العالمية الثانية حتى ظهر ذلك الوباء.
لكن أتساءل:
هل بإمكاننا ومقدرتنا السيطرة على منع أنفسنا وعائلاتنا من العودة بعد زوال الكربة إلا للضرورة القصوى ومواجهة الفوضى والمسئوليات وتطبيق الاحترازات الوقائية على نفسك وعلى أسرتك كافة والمكوث في المنزل. ومنع انتشار مرض مثل هذا بين الناس. لن يحميك أنت فقط، بل سيحمي المئات من حولك، وسيساعد كثيرًا من منظمات القطاع الصحي في التعامل مع الحالات المصابة التي ستقل تدريجيًّا -بإذن الله-، وسيساعد ذلك كثيرًا في الحد من انتشار المرض.
أعتقد وأجزم أن هذا هو التحدي الأكبر لأيامنا المقبلة، والتي يجب علينا أن نبدأ برسم خريطتنا وأن نعتزم السير عليها بعد عودة الحياة إلى ما كانت عليه.
وهذه الأيام المقبلة علمها عند الله سبحانه وتعالى، ولكن نسأل الله أن تكون طياتها الفرح من كل هم وغم وضيق، وأن تحمل في أيامنا المقبلة البركة والخير، وسيمضي القلق، وستأتي الراحة بعد هذا الكم من العناء، فأكثروا من الدعاء والتضرع إلى الله في صلواتكم، ونسأل الله أن يجعل أيامنا المقبلة بحول الله وقوته كلها سعادة وخير وبركة من الله.
** **
- الريم محمد