تفتح عينيها بعد سبات طويل، فتراه واقفاً أمامها يمسك يدها ويستجدي حديثها معه. وقد رأى بريق عينيها، أقترب أكثر وابتسم في وجهها، سألها: أتعرفينني؟
عندما لم تجبه، بداً ملحاً في طلبه، يتوسلها أن تخبره من يكون.
تظهر على شفتيها في تلك الأثناء ابتسامة متعبة، دفعته لاستجدائها بنظراته والأمل يحذوه أن تتحدث معه، بقي يكرر على مسامعها نفس السؤال متمنياً أن تجيب، كان هذا حاله من وقت أن أغمضت عينيها فجأة وغابت عن الوعي، يأتيها في ذات التوقيت من كل يوم يسألها بحزن قبل أن يغادرها والحسرة تملأ قلبه. إلا أنها وقد ابتسمت لأول مرة بعد سباتها، قرِّر البقاء إلى جوارها، وعند رؤيتِه لشفتيها تتحركان بصعوبة؛ كاد يطير فرحاً، لم يجد ما يفعله حينها سوى الصمت والإنصات وإن طال أمده، إلا أنها بقيت على سكونها، لم تنطق.. لم يسمع همسها. استحثها بإيماءة من رأسه أن تتجاسر على النطق، كان يمسك يدها بحنو بالغ وأصابعه تتحاور معها. لم يكن يعنيه ما تقول، فقط أراد ان تُسمعه صوتها الذي لطالما تدثر به طوال سنيه الماضية وأشعره باليتم مبكراً؛ فقده.
وهو يضغط على يدها التي تخضبت بآلام السنين وأدمعه لا تزال تنهمل على وجناته؛ تقلصت آماله، تمنى فقط لو أنها تطفئ ناره ولو بإشارة، إذ لم يعد ممكناً سماع صوتها. إلا أنها وعلى غير ما كان متوقعاً، نطقت فجأة بصعوبة بالغة، قالت بصوت متهدج: ولدي.. حبيبي، غاب بعدها الصوت للأبد.
** **
- حامد أحمد الشريف