يعد «باتريك سافيدان»، من أبرز الذين بحثوا التنوع الثقافي بوصفه سمة مشتركة، غدت صفة مركزية في حياة المجتمعات المعاصرة، وما يمكن أن تواجهه مجتمعات ما بعد الحداثة من تباين في استيعابها للتنوع الثقافي في بيئة معولمة، وما يمكن بعد ذلك أن نلمحه من ملامح الإفادة من النماذج الثقافية ما بين الدول، سواء أكان ذلك على مستوى خارطة طريق لعمل ثقافي يتسم الحداثة والنوعية وقدرته على الإنتاج والمنافسة، أو ما قد يظهر عبر مؤسسات الثقافة، وذلك بإنشاء الكيانات المعنية بالثقافة وفقاً لتصور نموذج ثقافي مؤسسي ما.
من هنا نجد أن تعددية التنوع الثقافي، لا ثنائيات الاختلاف المتضادة، تعد من معطيات القيم التاريخية والحيوية التي يتميز بها مجتمع عن آخر، التي من شأنها أن تشكِّل مكتسبات حضارية متى ما تم الإفادة منها، وتوظيفها في منجزات حضارية، فيما قد تكون أيضاً بمثابة طاقة (خاملة)، متى أهمل استثمارها، نتيجة لـ»نمطية» تحول دون التفاعل الثقافي بين مختلف مكونات المجتمع الثقافية، التي وصفها سافيدان بـ»الأحادية الثقافية الجامعة»، التي يعيدها تبعاً لهذا المفهوم إلى حالة من التنميط الذي يتكئ على (غلبة) لنمط ثقافي محدد وحدود أيضاً.
لذلك يظل الحديث عن النموذج قديم حديث ومتجدداً أيضاً عندما يتم توظيفه في نسيج الثقافة واقتصادياتها المعرفية، لذلك فإن الأدوات التي تعد مطالب علمية واشتراطات هندسية فكرية، لبناء نموذج أو استحداث آخر، بمثابة زرع عضو في جسد، ما ينبئ عن اشتراطات هذه العملية (الوظيفية)، ومع أن شيوع توظيف النموذج شاعر في مختلف المجالات الإنسانية، إلا أن الفشل الذي لا يمكن إصلاح ما ينبي عليه من خطوات، كما تظهر العديد من النماذج التي لا يتسع المقام لذكرها، منشأها مبدأ «الاصطياد»، الذي يقوم عليه اختيار أو بناء النموذج، الذي يعيد أحد أبرز أشكال حرق المراحل، للسير مجدداً من حيث انتهى الآخرون، ما يجعل من بناء النموذج الثقافي الركن الأقوى في النهوض بمكونات الثقافة وكياناتها.
* المعرفة.. اقتصاديات بالضرورة!
** **
- محمد المرزوقي