ميسون أبو بكر
أفلام الخيال العلمي وأفلام الرعب وتلك التي أحداثها في المستقبل، عشناها حقيقة الأشهر الماضية بشكل جماعي كوني مع فيروس كورونا، وما صاحبه من ترقب لتطور المرض وحالات الوفاة ولحظات انتظار اكتشاف مصل أو علاج، كما كوارث الخسائر الاقتصادية والأمنية في بعض الدول التي كانت وطأة الفيروس عليها كبيرة جدا، كما الحالة النفسية للبشر الذين اضطروا لالتزام منازلهم لأسابيع وانقطعت صلاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية بالآخرين وتغيرت عاداتهم وأحوالهم.
لم يكن كوفيد 19 أزمة عادية بل إنه قد غيّر موازين العالم، كان مثل تلك الأزمات الكونية التي يمر بها الكون كل قرن من الزمان ونسمع عن آثارها وظلالها أو نقرأ عنها في التاريخ، كقنبلة هيروشيما والحربين العالميتين الأولى والثانية والطاعون وغيرها، لذلك سيعيش أبناؤنا لتكون كورونا قصة يتناقلونها ويتذكرون هذا الفيروس الذي ألزمهم في بيوتهم وأرهبهم من التواصل مع أقرب الناس لهم ممن هم خارج نطاق منزلهم.
أعلم أيضا أن الحكومات وسياسات الدول بدأت تفكر بشكل آخر وترتيبات قد تناسب الوضع الذي مرت به خلال الأزمة -التي لم تنته بعد- فالتسوق الإلكتروني online والعمل والتعليم عن بُعد أعتقد أنه سيكون لهذه المواضيع ترتيب آخر قد يتناسب مع الفترة المقبلة لتقليل المخالطة والعدوى من المرض، وسيزيد الطلب على التسوق الإلكتروني، رغم أنني كنت أرفض هذه الطريقة ولا أستمتع بها، لكنني وجدت نفسي مضطرة لها، مما يجعلني أتساءل: هل سيتوقف بناء المولات الفخمة ومراكز التسوق؟ هل ستقفل بعض المكاتب أبوابها وتتحول جميع خدماتها إلكترونية؟ أنا شخصيا أخاف من فكرة الحياة الإلكترونية وقاومتها بما استطعت قبل كورونا، فما زلت أحب قراءة الجريدة الورقية، والذهاب للمحال وتفقد البضائع بعيني ولا أستغني عن حاسة لمس البضائع، كما الذهاب للصراف للتحويل والقيام بالعمليات البنكية التي أرغب بها من تحويل وسداد وغيرها.
قبل يومين ذهبت لمقر شركة التأمين لأتابع تفاصيل إصلاح مركبتي التي تسبب بصدمها من الخلف عامل لا يحمل وثيقة تأمين ولم يلتزم بنظام المرور في السرعة وعدم استعمال الهاتف أثناء القيادة، فكان عنائي وتعطيلي وتعطيل المركبة أكبر مما أصابه، فلما وصلت مقر شركة التأمين فوجئت بالموظف يخبرني بأن أقوم بالإجراءات إلكترونيا، مما اضطرني أن أطلب منه إتمامها في مكتبهم، فقد استغرق الطريق أكثر من عشرين دقيقة للوصول إليهم، وبالغت في موضوع فشلي في عملها إلكترونيا وعدم تفضيلي لهذه الطريقة.
مكتب الشركة كان كغيره من المنشآت الملتزمة بأنظمة التباعد والمقاعد الموضوع عليها إشارة كي لا يجلس فيها أحد، كما لبس الكمامات ومحاولة عدم لمس الأشياء، وكل هذا ربما يكون ملامح الحياة بعد كورونا، والتي ستكون احترازات دائمة حسب اعتقادي ولن نتخلص منها سريعا.
الإنسان كائن بشري اجتماعي والتساؤل الملح هو كيف يستطيع حماية نفسه من العدوى بكورونا أو غيرها من أمراض ربما تظهر لاحقا، وفي نفس الوقت يستطيع أن يكمل حياته دون قلق التباعد؟
وهل سيتأهل العالم سريعا للتعليم والعمل والتسوق عن بعد لمواجهة أي خطر مماثل قد يداهمنا مستقبلا أو للتكيف مع ملامح حياة جديدة قد تكون؟
ألتمس العذر للصديقات اللاتي يرفضن اللقاء في مقهى أو فكرة الزيارة المنزلية، فكورونا مرض جعلنا وجها لوجه مع الفقد والتورط بالإصابة به، وفكرة عدم التسرع في العودة الكاملة لسابق عهدنا هي من باب الحذر والحيطة، فأولوياتنا اختلفت وكذلك عاداتنا وسلوكياتنا وتفكيرنا أيضا.