د. عبدالحق عزوزي
أيد «مجلس الدولة» الفرنسي، وهو أعلى محكمة إدارية، منذ أيام حكما صدر العام الماضي، يغرم شركة غوغل 50 مليون يورو، بسبب سوء استغلاله للبيانات الشخصية للمستخدمين لأجل نشر إعلانات. واعتمد القضاء في إصدار هذا الحكم على قانون حماية البيانات الشخصية والخصوصية بالاتحاد الأوروبي.. وبالرغم من أن العقوبة لا تمثل سوى جزءا ضئيلا من الموارد المالية لشركة غوغل، إلا أنه كان لها وقع خاص، بحكم أنها الغرامة الأكبر التي تفرض من أجل انتهاك كهذا. وفي شرحها لحيثيات هذا الحكم، قالت متحدثة باسم الشركة في بيان مكتوب «لم تكن هذه القضية متعلقة بما إذا كانت هناك حاجة للحصول على موافقة بشأن الإعلانات الشخصية، بل كان الأمر متعلقا بالطريقة التي يمكن الحصول من خلالها على تلك الموافقة. وفي ضوء هذا القرار، سننظر الآن في التغييرات التي نحتاج إلى تطبيقها». وأضاف البيان «يتوقع الناس فهم الطرق التي تستخدم بها بياناتهم والتحكم فيها، وقد استثمرنا في أدوات رائدة في هذا المجال تساعدهم على القيام بالأمرين معا». واتهمت هيئة تنظيم الاتصالات الفرنسية (سي إن آي إل) في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي أكبر محرك بحث في العالم بالافتقار إلى الشفافية والوضوح في الطريقة التي يبلغ بها المستخدمين عن تعامله مع البيانات الشخصية، وبأنه لا يحصل بطريقة ملائمة على موافقتهم على الإعلانات الشخصية. واعتمد قرار الهيئة على قانون حماية البيانات الشخصية الخاص بالاتحاد الأوروبي، وهو أكبر تغيير تشهده قوانين خصوصية البيانات منذ أكثر من عقدين، ودخل حيز التنفيذ عام 2018. ويتيح التشريع للمستخدمين التحكم بشكل أفضل في بياناتهم الشخصية، كما يمنح الجهات التنظيمية سلطة فرض غرامات تصل إلى أربعة في المئة من الإيرادات العالمية في حالة حدوث انتهاكات.
ونحن نعلم أن مثل هاته الغرامات والضرائب هي ليست بالمسألة السهلة لأنها قد تحدث ردود فعل كبيرة وعلى أعلى المستويات؛ ونفهم جليا لماذا دائما ما يدعو وزير الاقتصاد الفرنسي الولايات المتحدة الأمريكية إلى عدم الخلط بين الضرائب التي تريد باريس فرضها على الشركات الرقمية الكبرى وبين الرسوم الجمركية. وتنص الضريبة الرقمية الفرنسية على أن تدفع الشركات نسبة ثلاثة بالمائة من إيراداتها في فرنسا، خصوصا تلك التي تحققها من الدعاية على الإنترنت وبيع البيانات لأهداف إعلانية والعمليات التجارية عبر المواقع الإلكترونية.
ونتذكر أيضا أن مجلس الشيوخ الفرنسي قد تبنى نهائيا في 11 يوليو/تموز من السنة الماضية فرض ضريبة على عمالقة الشركات والتي تسمى «جافا». وتستهدف تلك الضريبة حوالي 30 شركة رقمية عملاقة مثل غوغل وأمازون وأبل وفيس بوك وميتيك وإنستاغرام والفرنسية كريتيو. ومن المفترض أن تدخل هذه الضريبة إلى خزينة الدولة الفرنسية حوالي 400 مليون يورو، ثم 650 مليون يورو.
ونعلم أيضا أن الضرائب مرتبطة أيما ارتباط بالسلم الاجتماعي. ونتذكر أنه من بين أسباب خروج الفرنسيين في إطار ما يسمى بأصحاب السترات الصفراء، غلاء المعيشة وارتفاع الضرائب؛ فمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نشرت في إحدى تقاريرها أن فرنسا تخطت الدنمارك لتسجل أعلى إيرادات ضريبية بين البلدان المتقدمة في السنوات الأخيرة حيث شهدت حصيلة الضرائب الحكومية مستوى قياسيا مرتفعا في أرقام لم تساعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسهولة على تهدئة المحتجين الغاضبين بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
ثم إن طلب الزيادة في الضرائب قد ترتبط بحالات فريدة قلما تجدها في النظريات التي ندرسها في الجامعات لطلبتنا، وهي تأتي من دافعي الضرائب أنفسهم، وأقصد بذلك الخطاب المفتوح الذي كان قد وقعه أبرز الأثرياء في الولايات المتحدة لمرشحي سباق انتخابات الرئاسة لسنة 2020 والذين طالبوا فيه بضرورة دعم ضريبة ثروات على فاحشي الثراء لتعزيز المساواة ومكافحة التغير المناخي حيث قالوا بالحرف: «هناك مسؤولية أخلاقية واقتصادية ملقاة على عاتق الولايات المتحدة تدفع بها في اتجاه فرض المزيد من الضرائب على ثرواتنا». وأكدت هذه المجموعة وتضم أبرز الأمريكيين ثراء على أنهم لا ينتمون إلى أي حزب ولا يدعمون أي مرشح.
ومن الموقعين، البالغ عددهم 18 شخصا، ورثة والت ديزني، ومالكي سلسلة فنادق حياة وجورج سوروس، والشريك المؤسس في فيسبوك كريس هيوز، ومولي مونغر ابنة الملياردير شارلي مونغر. وأشار الخطاب إلى أن الملياردير وارن بافيت مثلا يدفع ضرائب أقل من مدير مكتبه!