أ.د.عثمان بن صالح العامر
في ظل جائحة كورونا صرنا إزاء ميلاد ثقافة جديدة تختلف في كثير من ملامحها عن الثقافة التي كانت سائدة إبان عصر (ما قبل كورونا)، سواء أكانت هذه الثقافة في باب الاجتماع البشري، أو الاقتصاد الأسري، أو حتى في فقه العبادات، وكذا المعاملات على حد سواء. وهذا يوجب على من تشرَّب الثقافة السابقة القائمة على الاستهلاك بشره وعدم الادخار في باب المال، أو المبالغة في الزيارات واللقاءات العائلية والمجتمعية أو الإسراف في الحفلات والمناسبات المختلفة في الاجتماع، أن يستغل هذه التجربة التي ما زالت حيَّة في إعادة تربية نفسه ومن يعول وأهل بيته على نمط ثقافي جديد - يركِّز على الهدف بعيداً عن البهرجة والقشور - تكيّف معه في ظل الوضع الراهن الذي نحياه مع جائحة كورونا. كما تكيّفنا جميعاً معه وقبلناه، بل ربما استحسنته شريحة عريضة في مجتمعنا المحلي.
إن لفيروس كورونا أثره الثقافي وتأثيره المباشر على عاداتنا وتقاليدنا التي كنا نظن أنها لن تهتز أو تتغيَّر مهما تقادم الزمن وتبدلت الأحوال، وخذ مثالاً على ذلك: كنا نعتقد أن مناسبات الزواج لا يمكن أن تكون إلا بقصور الأفراح ويُدعى لها جمعٌ من الناس للمباركة وتناول طعام العشاء، وما هي إلا ليال من رفع الحجر حتى صارت الزواجات في البيوت ويكتفى بحضور أقارب الزوجين من الدرجة الأولى، وعلى ذبحتين أو ثلاث، وقس على ذلك كل اجتماع كان يحدث في ظل ثقافتنا السابقة سواء كان لفرح أو -لا سمح الله- على حزن وترح.
التحدي الحقيقي لمجتمعنا السعودي هو في تقبل هذا النمط الثقافي الجديد واعتباره نهجاً دائماً لنا في قادم حياتنا لما له من فوائد عدة لا تخفى ولكننا نحاول أن نلغيها تفاخراً أو محاكاة للغير أو خوفاً من العيب الاجتماعي (وش يقولون الناس) التي ربما أفسدت حياة أسر، ومنعت الشاب أن يدخل عش الزوجية بلا ديون والتزامات مالية ستثقل كاهله سنوات زواجه الأولى، أتمنى من قلبي أن ننجح في التحدي ونحقق التغيير الثقافي الذي ينقلنا من ثقافة الاستهلاك إلى الادخار والاستثمار.. ودمت عزيزاً يا وطني.. وإلى لقاء.. والسلام.