د. محمد عبدالله العوين
لا يمكن أن ينسي أي سعودي ذلك الرد الفوري الشجاع الذي انطلقت كلماته الأبية من فم عربي حر رد بها الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - حين كان ولياً للعهد على تطاول معمر القذافي على الملك فهد - رحمه الله - في مؤتمر قمة شرم الشيخ مارس 2003م حين قاطع كلمة القذافي قائلاً: «المملكة العربية السعودية ليست عميلة للاستعمار مثلك ومثل غيرك، مين جابك للحكم إنت.. قل لي الصحيح؟ مين جابك للحكم؟ لكن لا تتكلم ولا تتورَّط في أشياء ما لك فيها لا حظ ولا نصيب، والكذب هو أمامك والقبر هو قدامك».
ليس هذا التطاول الذي تم على الهواء وأثار حفيظة الملك عبد الله إلا تعبيراً عمّا كان يجيش في نفس «الأخ القائد» ضد المملكة من ضغينة وكراهية؛ بسبب مكانتها العربية والإسلامية والدولية وعمقها التاريخي وتأثيرها في القرار الدولي، وهو ما يتقاطع مع طموحاته التي باءت بالفشل على كل المستويات؛ حتى لم يعد سبيلاًً للوصول إلى أهدافه - حسب رؤيته القاصرة - إلا باستخدام العنف واحتضان الجماعات الإرهابية ودعم المنشقين والخونة في كل مكان من هذا العالم، وتتجلَّى رعونة «الأخ القائد» في سلوكه الشخصي ولباسه الغريب المستهجن وتسريحة شعره الفوضوي وتفسيره لاسم «شكسبير» الذي يقول إنه «الشيخ زبير» ونظريته الثالثة، وحكم اللجان الثورية، وفي هذا الجنوح تصادم تام بين نظامين سياسيين: القيادة السعودية التي تتكئ على خبرة ثلاثة قرون وتمتح من نمير قيم عربية وإسلامية نقية، وتتصف بالاعتدال والحكمة والالتزام بالقيم والأعراف الإنسانية، ونظام «الأخ القائد» الثائر النزق الأهوج المتقلِّب الاشتراكي القومي الأممي الأقرب إلى الجنون.
لم يتحمّل الأرعن قوة وصدق الكلمات التي صدمه بها عبد الله بن عبد العزيز فدفعته نفسه الشيطانية إلى التفكير في الانتقام منه؛ فنسَّق مع أمثاله من الموتورين؛ كحمد بن خليفة والمنشقين الخونة في لندن محمد المسعري وسعد الفقيه وجماعة الإخوان المسلمين من خلال ممثّلهم عبد الرحمن العمودي الذي كان يعمل - آنذاك - مستشاراً للبيت الأبيض.
وهكذا اجتمع موسى كوسا رئيس جهاز المخابرات الليبية السابق ومعه العقيد في المخابرات الليبية محمد إسماعيل بضباط مخابرات قطريين في الدوحة، وتم ترتيب الخطة القذرة التي تضمن تسليم مليوني دولار قدمها القذافي لتنفيذ جريمة الاغتيال في العشر الأواخر من رمضان عام 1423هـ إلى عملاء مستأجرين يهرِّبون صاروخاً يطلق على الموكب الملكي من فندق مواجه للقصر في مكة.
واكتشفت أجهزة الأمن السعودية الظافرة الخطة القذرة وتم القبض على عناصرها، وتوجيه الاتهام إلى المسعري والفقيه فحققت معهما سكوتلاند يار (الشرطة البريطانية) وحكم بالسجن 23 عاماً على العمودي.
اتخذ القذافي موقف العداء الأحمق هذا ضد القيادة السعودية وتناسى الجهد العظيم الذي بذلته المملكة لإخراجه من تداعيات جريمة «لوكربي» وتم رفع العقوبات عنه والتوصل إلى تسوية مرضية لأهالي الضحايا؛ ولكن اللئيم ينكر المعروف. يتبع