أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: أشجاني هذا الأسبوع موزعة بين فاضلٍ ما زال يستل أصغاني منذ كتب عن كتابي (ديوان الشعر السعودي)، وما زال قبل وفاته يجد (بضم الياء وكسر الجيم، وتشديد الدال) حتى رأيته أهلاً لمعترك الأقران!!.. وكنت أتناسى بعض تعليقاته.. وأما اليوم [وذلك قبل وفاته]: فقد أمحضته الود خالصاً، واصطفيته في الطرح والحوار صاحباً إن أنصفته، وابناً إن هضمته أو استعليت عليه بحجة؛ وإنما للوالد الإدلال، وليس من حقه أن يوجه إليه العتاب؛ وإذا عزم الوالد (وهو شيخ كبير السن يدب دبيباً): فإن من العقوق أن يُشغب عليه، أو أن تدفع حجته؛ لأن في مخض الشيوخ ذكاءٌ وزكاءٌ (بالذال والزاء) وطوله، وذلك هو المطل علينا من ظهرة الكرمة، ومن روضة الحازمي؛ وذلك هو أخي أحمد بن عبدالله الدامغ المزروعي العمري (بسكون الميم) التميمي؛ وقد حرصت على أن تكون هذه اليومية لإعجابه وإطرابه؛ والشجن الثاني لغاوٍ يدَّعي أنه أمَّار نهَّاء؛ ولا يظهر من تسويده للأوراق (وهو تسويد شغبي): أنه صادق في الحسبة لوجه الله لو كان أهلاً لها علماً وذوقاً؛ وإنما هو تهويش واتهام لأبناء الفطرة، وهم يستألفون (بالبناء للمجهول) بغير هذا؛ ولقد جمع بين عقد (جمع عقدة) الجهل، وخمول الذكر والتسلط والتقرب الكاذب؛ ولو كان من أهل الأدب لدفنت له دفيناً لغوياً؛ فإذا بي أراه ذبَّاباً عمَّن يئن ويزحف في حفرة من الدبس العتيق.
قال أبو عبدالرحمن: ونحن معشر الظاهريين نمتحن صدق النوايا بالحالي، ومن حلونا ما يأسر الذباب، ونقتل بالعلقم الصاب!!؛ ولكن لما كان ليس من أهل الأدب آثرت أن أكتب له رسالة مباشرة عاطلة من الحلية البلاغية تليق بقحطه الأدبي؛ فإذا زدته موعظةً: فقد أكون سبب هدايته، وقد أقيم عليه الحجة فلا يهتدي؛ فأنتظر فيه قضاء الله وقدره فيمن عائد وأصرَّ وتباذى وولغ وجعل صفحته الخاسئة بوماً مشوهاً للشتائم.
قال أبو عبدالرحمن: قد أسعى سعياً مشكوراً بما يلزمني من واجب الحسبة؛ وفي شكوى سفاهاته التي أعطت صورةً سيئة يبرأ عنها عموم صحافتنا الخيرة؛ وإذا كان الكذب والبهت على عباد الله وسمعتهم الأدبية من الذنوب التي عليها وزر في الآخرة وليس عليها عقوبة دنيوية: فإن باب المصالح المرسلة يقتضي أحياناً شرع عقوبات دنيوية على بعض تلك الأوضار؛ ولقد آثرت أن لا اكتسحه هذه اللحظة؛ لأنني لا أحب أن أكتب عنه حالة غضب إشفاقاً من أن أظلمه؛ ولي معه موعد يأتي والله بالمرصاد؛ ودعوني في هذه اليومية في الجمعة المباركة مع حبي القروي الدامغ أطربه بشعبيات القرية، وأسجع له سجع الراعبي؛ فإنه محقق الهناء، معصوم من الإيذاء!!؛ أو لم تسمع إلى جد بعض أولادي؛ (وهو عبدالله بن علي الدويرج) يقول:
الراعبي ما يخالف واحليله كل ما جيت طار
كلش ولا العطنة اللي زملها تدهك مفاريدها
أسمعتم قول (حنيف) في الغرِّيد ابن سبيل:
قمريةٍ تلعي على روسٍ عيدان!!؟
قال أبو عبدالرحمن: ومن تمام إطرابي لك أيها المزروعي: أن أتعهد بعض يومياتي، وأتخولها بأندر النوادر من القرويات الشعبيات؛ ومن قرب إلي بهو الظاهريين شبراً فمن أريحيتهم أن يمدوا رواقهم باعاً!؛ وأما هذه اليومية فبعضٌ منها سجع، وبعض قرْص؛ ولكنه «عضُّ رِيام»؛ وأما قولهم عني: أيها المزروعي قولاً جيداً فلا تتسرع في قبول طرحٍ أو رفضه إلا بعض معاودة قراءاتٍ تضمن معها أنك فهمت عني؛ ولست أنت ممن لا يفهم ما يقال!.. وإنما أخشى أنا أن أكون ممن يقول ما لا يفهم!!.. هكذا يقول عني من استغرب تربتي ومطلعي، والراحلون هم ورحم الله زماناً أطلعهم!!.
قال أبو عبدالرحمن: من التقرصات قول الخلاوي برواية شيخي وأستاذي ومؤدبي: عبدالله ابن خميس رحمه الله تعالى:
والى ظهر المرزم شَبِعْ كلِّ كالف
من الفِيدِ وانحن الليالي الشدايد
هكذا وردت (الْفِيد) برسم الفاء أخت القاف في أكثر من موضع.. وقلت: الصواب (الْغِيد) بالغين المعجمة أخت العين المهملة.
قال أبو عبدالرحمن: ولقد اتصل بي هاتفياً سَرِيٌّ (مفردة سُراة) من آل سدحان فقال: صحة بيت الخلاوي هكذا:
والى ظهر المرزم شبع كل كالف
من العين وحنا في الايام الشدايد
بالعين المهملة المفتوحة؛ وهي بكارة القاف؛ وهو رسم لا معنى له في سياق بيت الخلاوي.
قال أبو عبدالرحمن: وحدثني أبو محمد العجاجي بهذا البيت لـ(علي بن سلمان) في الإمام (فيصل بن تركي) رحمهم الله:
افزعوا للامام الله يجيره
افزعوا بالبنان وباللسان
جا على الخيل من حسه كسيرة
جاعليها سواة الديدحان
ومن كتاب (منديل الفهيد) هذا البيت لـ(مضحي الصانع) من الجيلان:
اللي شهرهم كنها الديدحان
وسيوفهم مثل البروق بمطر صيف
وقرأت في ديوان (محمد الأحمد السديري) رحمنا الله وإياه وجميع إخواننا المسلمين:
نشوف فيها الديدحان متوالي
مثل الرعاف بخصر مدقوق الالعاس
وحدثني (إبراهيم المليفي): أن الرعاف خرزات حمر تحيط ببعض ثياب النساء في محل الخصر.
قال أبو عبدالرحمن: والدَّيْدَحان من مُستدرك اللغة الفصحى بلا ريب، ولي عن ضياع شيءٍ من اللغة كلامٌ طويل في مقدمتي لأشعار الدواسر التي جمعها (محبوب الفصام)، وإلى لقاءٍ مع هذه الفقرات في بعض الأسابيع إن شاء الله تعالى، والله المستعان.