كنا وما زلنا منذ سنوات عديدة نصرخ ملء أشداقنا، ونرفع حناجرنا حتى تُبح ونقول: الوعي، الوعي، الوعي، وتتضاعف المعاناة عامًا بعد عام ونحن نقول: الوعي، الوعي، مما يؤكد أن هنالك خللاً واضحًا في عدم تنميته بالطرق الصحيحة والسليمة، وبالتالي عدم الوصول إلى تحقيق الهدف الذي نبحث عنه جميعًا، وهو تنمية الحس والشعور بالمسؤولية الشخصية والوطنية، لأن الشعوب التي تهتم بالوعي المعرفي والوعي السلوكي، وتحافظ على تمسكها بالقيم، وتعلمه أطفالها مبكرًا ستحصد وتحقق النجاح والتقدم، أما إذا كان العكس وأهملت العناية والاهتمام تنمية الوعي، وكسرت القيم، ستحصد تلك الدول مزيدًا من المعاناة والتخلف، وعليها تحمل الإخفاق والمسؤولية، وعدم إلقاء اللوم على المواطن، لأن الفرد ليس مستقلاً بذاته، بل متصل بوطن ومجتمع، ويتشكل وعيه من خلال البيئة المحيطة به، ويستمد السلوكيات الإيجابية أو السلبية من داخل وطنه.
الأمر الذي يعظم أهمية المواطنة والوعي، كأحد أهم المعايير لقياس مستوى التحول في سلوك المواطن وتفاعله مع قضاياه الوطنية، ومن أبرز العوامل التي تعزز تلك المعايير «التمسك بالقيم» والمحافظة عليها، فهي التي تجعل المجتمع حيًا ومتفاعلاً ويتقبل الصالح من الأفعال ويرفض طالحها، مع الأخذ في الاعتبار أن غرس القيم للمجتمع يبدأ من البيوت ومن كل مؤسسة من مؤسسات الدولة على أن يكون غرسها يبدأ من الطفولة حتى الكهولة، ومن رياض الأطفال حتى أعلى الشهادات الجامعية، لأن ترسيخها في مرحلة سنية مبكرة، وتنشئة الطفل عليها تكون أجدى وأكثر تأثيرًا وتأصيلاً وذلك لجعلها عنصرًا مكونًا في بناء الشخصية والانتماء.
من هنا نقول: إن مفهوم «الوقاية خير من العلاج» مبدأ قد يطبق في كل المجالات والمستويات في البيت والمدرسة والشارع والسوق وسكن العمال، وإذا تم تطبيق هذا المبدأ أو الحكمة بالشكل الأمثل، ومن قبل الجهات المختصة قبل المجتمع يمكننا أن نتفادى كثيرًا من السلبيات..
مع التأكيد أن وعي المجتمع قائم على أسس التكامل، وكل كامل لا يتجزأ، فالوعي الفردي، قائم ومستند ومرتبط بوعي المجتمع ومنشآته، وهذا يعني تأثر الفرد بالآخرين، وتأثيره فيهم، لأنه ليس من المعقول أن تطالب المنشأة الصحية أو المرورية أو التعليمية، وغيرها من المجتمع بالوعي والرقي والالتزام بتطبيق اللوائح واحترام النظام، وهي لديها تهاون واضح وتقصير فاضح، وتعاني ضعف (الوعي) وعدم التقيد بالنظام، ومن بينها نجد أن كل مشكلة يعاني منها الناس لا تجد مع الأسف التفاعل والاستجابة، إلا بعد أن يتم نشرها وتداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويتم إثارتها حتى تصبح قضية رأي عام، وهذا دليل قاطع يؤكد ضعف (الوعي) لدى بعض الوزارات وعدم تقديرهم لمشكلات الناس، بل يرسمون صورة ذهنية لا تشبههم!!
فقد أصابهم على ما يبدو انفصام في الشخصية تجاه التعامل مع المواطنين حيث نجد المسؤولين عن الإعلام في تلك المؤسسات الحكومة يتعاقدون مع الشركات المتخصصة في السوشيال ميديا، من أجل التعزيز والثناء والإطراء، وإبراز صور وتصريحات وابتسامات مسؤوليهم، ومهاجمة كل من ينتقدهم، والتقليل من جهود الإعلام عن الحديث عن القصور أو السلبيات أو حتى البحث عن معلومة!
أما الشكاوى والملاحظات فيتم تجاهلها أو احتواؤها بالنفى والوعود التخديرية بالرغم من أن هذا الأسلوب نوع من الاستخفاف بالعقول وبالتالي يواجهه في الأغلب المجتمع الواعي بنوع من السخرية!
لذلك نحن أحوج ما نكون إلى التخلص من تلك المنهجية السلبية التي يضللون من خلالها أجهزتهم وكذلك الرأي العام بحقائق وهمية ويتنصلون عن مسؤولياتهم وأدوارهم الحقيقية ويسعون إلى قلب الطاولة وتغليط المجتمع والغير من أجل تبييض وهمي لصور منشآتهم الحكومية على حساب عرقلة تقدم نهضتنا وإنجازاتنا الحضارية.
وقفة:
(علة) مسؤولي الإعلام في بعض الأجهزة الحكومية، تكمن في الخوف والتردد والتشبث بأساليب عقيمة وعدم قدرتهم على مواجهة الحقائق في وقتها مما أصابهم بحمى عدم التفاعل والتعامل مع الإعلام والرأي العام بدقة ومصداقية، من هنا نستطيع القول إن جاز التعبير «باب النجار مخلوع»!!
أخيرًا:
من الصعب بل من المستحيل أن نبحث عن الرقي والوعي والعلاج لكل ظاهرة سلبية، ومسؤولي تلك الأجهزة الإعلامية لم يعترفوا بوجود المرض أصلاً!