شريفة الشملان
إذا كانت الحياة بمجملها لكل الكائنات لا تستقيم بدون الماء والهواء والشمس؛ لا حركة ولا إنجاز بشري بدون ذلك، وعلى ذلك قامت أفكار فلسفية كثيرة، فإن ما مرت به البشرية على هذا الكوكب من الكثير من المحن أثبت أيضًا أن الحياة لا يمكن أن تستقيم إلا بتوفير مقومات لها.
أول مقوم للحياة والاستقرار هو السلم، سواء السلم الاجتماعي بتفاهم أفراد المجتمع الواحد، والمساواة، والسلام المضاد للحروب بما تسببه من دمار للحياة البشرية، وتكلفة كبيرة، تنال من معيشة ورفاهية الشعوب. لكي تعيش أي دولة عليها أن تنظّم حياتها الداخلية، من صحة وتعليم ومستلزمات الحياة اليومية من الطاقة بأنواعها، ومن المعيشة بأوسط درجاتها، أو أقلها حد الاكتفاء.
لستُ من دارسي الاقتصاد، ولكن بوصفي ربَّة بيت أفهم أن كفاية الراتب لآخر يوم من الشهر مع توفير للظروف كان ضمن تدبير ربات البيوت والعاملات من جيلي، جيل ساير أيام الرخاء والشدة. وكان لبعضنا فرصة للابتعاث أو برفقة زوج مبتعث، فمرت علينا أيام عصيبة؛ تستوجب التفكير والتدبير، خاصة عندما يكون هناك طفل أو طفلان.
من تجربتنا أن بنودًا للميزانية لا يمكن أن نتعداها إلا لظروف أقوى منا. كان أهم بند هو توفير احتياجات المنزل، وأهمها حاجات الصغار، المواليد واليافعين؛ لأن المواليد دائمًا يحتاجون إلى الكثير، الحليب والغيارات، غير توفير ملابس دائمًا حتى السنتين. العاملات أمورهن أكثر تيسرًا، ولعل أغلبهن أسهمن وبنَيْن مع أزواجهن بيوتًا، كفلت لهن العيش الكريم دون منغصات الإيجار.
لم تكن الحياة تجري كما نتمنى دائمًا، ولكن في الغالب كنا نجعلها كما نريد، أو على الأقل أقرب لما نريد. جدولة جديدة لبند الترفيه بدلاً من المطاعم. رحلة للبحر أو لحديقة عامة تفي بالغرض. ولم يكن البلد مزدحمًا كما هو الآن؛ فكان يمكن التمتع بلا سفر وتذاكر وفنادق.. إلخ. إضافة إلى أنه يمكن تأجيل الإجازة لأوقات أفضل. المؤلم دائمًا وأبدًا أن لدينا جنات ربانية على الأرض متمثلة بشمال وجنوب مملكتنا. المشكلة كانت - وما زالت - في تذاكر الطيران، كما أن السفر بالسيارة يمثل مخاطرة كبيرة لبُعد المسافات، فضلاً عن المخاطر ومفاجآت الطريق.
ها نحن نمرّ بظروف صعبة جدًّا. الكورونا وما صُرف في محاولات لتجاوز الأزمة، سواء على المراكز الصحية والمستشفيات وأماكن الحجر الصحي، أو ما أثر على الاقتصاد كله، الحكومي والأهلي. ما زالت تطبق على أعناقنا، وهي كعدو يتربص خروجنا من البيت. في بدايتها حتى الآن تستنزف ثروات البلد، وأرواح رجال ونساء الوطن، ومن ضمنهم شهداء الجيش الأبيض، حتى هؤلاء لم يسلموا من العدوى، تقبل الله الجميع برحمة واسعة وجنات عدن.
ها قد وصلنا لمربط الفرس. فالمربط الآن هو دخل نقص، ومعيشة غلت بما بين 15 % و25 %. يؤدي ذلك لحاجة الأسر لدخل جديد يسد العجز مع تخفيف الأعباء، فكيف تتدبر الأسر ذلك؟
لا نشك في أن هناك طرقًا لجدولة الاحتياجات، والقبول بالبدائل المتاحة قدر الإمكان. ولعلي أتوقع خيرًا بدخول أكبر للشباب والسيدات مجال الأعمال؛ إذ برزت حاجات للمجتمع، يمكن تغطيتها بمواطنين، خاصة مع خروج الكثير من العمالة الرخيصة المنافسة. هناك أيضًا التفكير بتقليص العمالة المنزلية، كسائق لم تعد الحاجة ضرورية له مع قيادة المرأة. ولو قُدر وفُتحت روضات وحضانات للصغار ربما يُستغنى عن بعض العاملات كحاضنات للصغار أثناء عمل الأم. وهنا يمكن أن تظهر لنا الحاجة للعاملة المواطنة مع فتح مجالات للتدريب.
إن طفلاً صحيحًا معافى هو إعداد لرجال وسيدات يخدمون الوطن، وقد لا يحتاجون للرعاية الصحية الكثيرة مستقبلاً.
الرعاية الصحية للأطفال لا شيء يسبقها. كما أن توفير احتياجات الطفل ضروري. ومهما كان تدبرنا وحرصنا العام لا يكون أبدًا على حساب الأطفال؛ فالحليب والغيارات ضرورية حتى سن العامَين، وملابس الأطفال حتى سن 15 عامًا. وعليه لا محالة من إعفاء كل ذلك من أي ضريبة، وتحميل الفرق على جهات ليست أكثر إلحاحًا.
والأمر لصاحب الأمر، مع تحياتي وتمنياتي بالصحة والعافية، وزوال الغمة عاجلاً يا رب.