مها محمد الشريف
يفضل العامة في نظر فريدريك نيتشه، البحث عن الحقيقة باعتبارها تطابق ما في الأذهان لما في الأعيان، مما يجعلهم يرتبطون بالجانب الظاهر من الجسد. بينما الوعي أو العقل مهووس بالمحافظة على الحياة، والبحث عن وسائل تحقيق السلم والطمأنينة.
إذا سلمنا بهذا التلازم بين الجسد والعقل، فإننا ندافع عن فكرة الحياة ضد كل التصورات التي تسعى إلى قتل ما هو إنساني في الإِنسان، وربط الواجب الأخلاقي بالفعل الإنساني وغاياته، وذلك بهدف إكساب هذه التصرفات قيمًا إيجابية، ولكن يأخذنا التساؤل إلى منحى آخر وهو كيف تحررت منها بعض الشخصيات الديكتاتورية التي تصنف بمجرمي حرب؟، وبالتحديد شخصية أردوغان كيف أسست هذه الشخصيات حرية إنسانية قادرة على إصلاح تلك الإكراهات بوضعها معايير وقوانين قابلة للتحقق؟
وهذا التصور يكشف في المقام الأول، عن أسباب منهجية من دون أحكام مسبقة حول دلالاته القصوى كأداة من الأدوات تتباين قدرتها على الفعل بالقيود الأربعة التالية: الزيادة والنقصان والعون والتضاد، وغالبًا ما يخطئ في وضع المشكل بين القبول والرفض ويتركه منافًا للقانون ويسير وفق السلطة تحدها السلطة، وإذا ضربنا صفحًا عن ذكر المثل الزهدي، الذي انتقده نيتشه بوصفه تصورًا ينتهي عند فرض إرادته في إعطاء معنى لحياة الإنسان وبلوغ الكمال الأخلاقي، إلى نفى الحياة ذاتها.
تمامًا كما فعل الرئيس التركي مع لاجئي سوريا على الحدود التركية مع سوريا وعاث فسادًا في بلادهم ونشر فيها داعش والقاعدة والإرهابيين وسلبهم الحياة وقتل وطنية بعضهم بالولاء لتركيا وإرسالهم إلى ليبيا لقتل الليبيين، فهذا الاتجاه بحد ذاته عمليات معقدة تخبر العالم بأن ما حصل يعد تحولاً كبيرًا من مظاهرات سلمية إلى صراع مسلح مدمر.
وتزايدت مع الأيام والأشهر والأعوام صعوبة سوريا حيث تحولت إلى الانقسام والانشقاق، وفي 2011، أعلن منشقون من جيش الأسد عن تشكيل الجيش السوري الحر، وبدأ كل طرف في استهداف الآخر عبر عمليات الاغتيالات، وظهرت جماعة الإخوان لتنشر أساليبها السياسية المدمرة، وتغيرت الأحداث وتبدلت من سيء إلى أسوأ بعد مشاركة وتدخلات من عدة جيوش منها جيش الإسلام وجبهة النصرة وحركة أحرار الشام ومليشيات تكونت من متطرفين ومجموعات ثورية كثيرة.
حرب راح ضحيتها مدن ومدنيون قضت حياتهم بعد تعذيب وقطع رؤوس واكتمل المشهد بالأسلحة الكيميائية بغاز السارين وتشرد ملايين الأسر ووابل من ضربات عسكرية وبراميل متفجرة وطريق مسدود، فقد ضاعت سوريا بين قرارات الأمم المتحدة وبين من يتحمل المسؤولية هل هو الأسد بمفرده أو الدول العظمى التي دخلت شريكًا في هذه الحرب ليكون لهم موقف ونصيب بإبقاء الأسد لتمرير أدوارهم كشركاء.
وعلى الرغم من كل ذلك، كانت الإنسانية تنزف ولدى الناس آمال وطموحات كبيرة في روسيا وأمريكا وتركيا لإنقاذ الشعب من الهلاك، ولم يعلم الشعب أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تعتمد على مبدأ أساسي، وهو أن الولايات المتحدة مختلفة عن القوى الأخرى، فروسيا والصين عملاقان شرهان يرغبان في الحصول على المصادر الطبيعية، أما حلفاء أمريكا المقربون مثل بريطانيا وفرنسا يقدمون مصالح أعمالهم على مبادئ حقوق الإِنسان.
هكذا يظهر التاريخ كسلسلة خارج الدائرة يستحيل أن نخفي عن أنفسنا تفسير المعاناة وسد الثغرة الكبيرة التي تأتي خلف الأحداث الخفية التي كانت وراء ميلاد الأفكار الشريرة التي ينفذها أردوغان ونظام الملالي ونظام الحمدين، لذلك نتساءل من سيحرر الإنسان العراقي والسوري والفلسطيني والليبي من العنف والقتل والصراعات ونفى الحياة ذاتها.