رمضان جريدي العنزي
إن فَقْد البصر للإنسان ابتلاء من الله -عز وجل- لحكمة يقدرها ويراها. وكثير من الناجحين المميزين لا يرون، لكنهم أبصروا بقلوبهم قبل عيونهم، وفعَّلوا عقولهم، مثل بشار بن برد، وأبو العلاء المعري، وأبو بكر المخزومي، والصحابي عبدالله بن أم مكتوم، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعم النبي -صلى الله عليه وسلم- العباس بن عبدالمطلب، وعبدالله بن العباس، والشيخ عبدالعزيز بن باز، وعبدالحميد كشك، وأندريا بوتشيلي مغنٍ وكاتب ومنتج موسيقي إيطالي، وسيد مكاوي، مغنٍ وموسيقار مصري، وعمار الشريعي مؤلف وملحن، والأمريكي إريك فبهنماير الذي على الرغم من أنه كفيف فقد نجح في تسلق جبل إفرست (أعلى جبل في العالم)، وكذلك لويس برايل مخترع كتابة المكفوفين، وأشرف أرماغان رسام تركي وُلد أعمى لأسرة فقيرة.. وغيرهم كثير، وعددهم كبير. لكن عمى البصيرة أشد وطأة وفعلاً، وأنكأ وأعظم مصيبة من عمى البصر؛ فأعمى البصيرة يسير بلا وعي ولا إدراك ولا هدى، قلبه ميت، وعقله معطل، وجوارحه خامدة، يزيِّن كل قبيح، ويجمِّل كل مشوَّه، لا يفرِّق بين الحق والباطل، ولا الخير والشر، ولا الفضيلة والرذيلة. قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. عمى البصيرة يقوده عماه نحو مستنقعات العصيان والخذلان، قلبه غليظ، وروحه عليلة، وفهمه مقلوب، متكبر، متعالٍ، ويحسب نفسه عن الآخرين مميزًا. ما عنده فطنة، ولا حجة، ونظره غير نافذ لخفايا الأشياء، والأمور عنده مقلوبة ومختلطة. إن مطموس البصيرة أحمق، أظلم قلبه، ونامت روحه، وانعكست فطرته.. عاجز عن الفهم والإدراك، ما عنده مواقف، ولا ثوابت، ولا مرئيات، يحسب كل صيحة عليه، غير متوازن، لا يؤثر ولا يتأثر، معرض دائمًا عن الحق والصدق، وجهله مركب، تنظيره كسيح، ومنطقه أعوج، سطحي يهتم بمظاهر الأمور دون جوهرها، ويبني الأحكام والآراء بشكل قاصر بعيدًا عن العمق والبُعد والتروي، متذبذب غير راكد، وله شطحات بائنة. ما عنده براهين ساطعة، ولا أدلة قاطعة، وحجته واهنة. متخبط في ظلام الهوى، ومنغمس في بحر المنى. لا يميز بين حقائق الأشياء ولا يدركها، لا كنهها ولا جوهرها. يحب الاستغلال والاستحواذ إرضاء لذاته المنتفخة، ولا يجب نفسه عن السخافات والدناءات. ليس بحصيف،مساراته بها الكثير من الانعطافات والالتواءات، ويقع دائمًا في الحفر والمطبات.
اللهم أنر بصيرة مَن أظلمت بصيرته، واهده للحق والصواب، وافتح بالنور عقله.