م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. أحياناً تجلس لتكتب موضوعاً تقريرياً مباشراً ليس فيه خيال ولا استقراء ولا تشخيص ولا تحليل.. فقط مقال تقريري بسيط ومباشر.. لكنك تُقَلِّب رأسك وتقوم وتقعد.. وتوقِّع باسمك على أطراف الورقة.. وتكتب كلمة أو اثنتين بلا معنى فتشطبهما وتمعن في شطبهما.. ثم تنظر حولك وتعتدل في جلستك.. ثم تلتقط هاتفك الذكي وتفتح رسائل الواتساب.. فتجد رسائل الغث الكثيرة ثم تجد رسالة سمينة وحيدة.. تعود إلى ورقتك من جديد والقلم لا يزال بين أصابعك.. تشرب ماء ثم قهوة ثم تبحث في أدراج مكتبك عن كسرة بسكويت لم تأكلها بعد.. تعود مرة أخرى للورقة وليس عليها إلا توقيعك في أطرافها.. وكلمتين طُمِست ملامحهما من الشطب المبالغ فيه وكأنك تخشى أن يطلع عليهما أحد.. تنظر إلى قلمك مرة أخرى وتتساءل: لعل المشكلة في القلم.. كم أكره الأقلام الغبية! إنها تضيع وقتي.. وتنهك أعصابي لأنها لا تنتج.. لا بد أنه اليوم يشكو من شيء.. سوف أتركه يغفو قليلاً ثم نعاود الكَرَّة مرة أخرى.. لعله يصحو نشيطاً ويكتب.. أوه، كم أكره الأقلام الكسولة والغبية.. وعقاباً له فلن أعيد غطاءه عليه وسوف أتركه مفتوحاً حتى يجف رأسه.. لا بد أن يحس بنفس الألم الذي أشعر به حينما تجف عيناي من السهر.. أو أصحو من منامي وقد جف حلقي لأني أتنفس من فمي.. سوف أؤدب هذا القلم.. فإما أن ينتبه وينبذ الكسل أو أكسره.. فلا حاجة لي بقلم كسول غبي!
2. استفاق قلمي محتجاً وصاح: لماذا تريد أن تعاقبني؟!.. هل عجزت عن الحمار فأردت أن تعاقب البردعة؟! أنا دوري أن أنفث الحبر.. هذا هو عملي تحديداً.. تحركني يدك.. والذي يحرك يدك رأسك.. فبالله عليك أليس من يجب عقابه هو رأسك؟! فهو من يجب أن تتهمه بالكسل والغباء والخوار.. يا لك من شخص عجيب.. تريد أن أكتب عنك ثم أناولك حزمة من الأوراق عليها ما يجب أن تكتبه أنت لا أنا.. ثم تدّعي أنك كاتبه! ثم تمادى القلم في تطاوله فقال: هذا ليس كسلاً، بل ادّعاء ولصوصية.. ثم تعاقبني! يا لجرأتك، بل يا لوقاحتك!
3. أصبت بالاكتئاب.. واكتسى وجهي شحوب وغار الدم منه.. وتساءلت: لماذا ألقي باللوم على قلمي المسكين والمشكلة في رأسي؟ لقد فقدت احترام قلمي.. وأصبحت صورتي أمامه مثل لوح مسنود بجدار إسمنتي بارد لا يتحرك ولا يتنفس.. قابل للتفتيت فقط وليس غير ذلك.
4. ابتلعت ريقي وجلست على كرسيي.. تنفست بعمق.. ندت من جبيني حبيبات عرق من الحياء.. ثم أقسمت أنني لن أقوم من على الكرسي حتى أنهي موضوعي مهما كانت الظروف.. ثم بدأت أكتب عن الناس الذين يلومون الآخرين على عجزهم.. ويلقون التهم على الآخرين في مشاكلهم.. ويبررون إخفاقاتهم أمام أنفسهم حتى يغرقوا.. ثم يبدؤون في جلد ذواتهم حتى تهترئ جلودهم.. يا لهم من مساكين!
5. انتهى المقال.. ابتسمت وقمت.