علي الخزيم
للشاعر الاماراتي كريم معتوق:
(يَخضرُّ حقلُ حروفي حين يحملها
غيمٌ لأمي عليه الطيبُ يُقتطفُ
والأمُ مدرسةٌ قالوا وقلتُ بها
كل المدارسِ ساحاتٌ لها تقفُ).
ويؤكد شاعر آخر:
(فإحسان الفتى للأمِّ يبني
لهُ في الأرض عزاً لن يَهونا
ويرقى في المكارمِ ما تفانى
بخدمتِهم ولم يُغمِض عيونا).
- استذكرت الأبيات حينما سمعت أن أحد المتطوعين يغادر البلاد لتوزيع الصدقات والزكوات بمجتمعات تستحق مد يد العون، لكن المستنكر بالقصة -كما وردت- أن الرجل يترك والدته بحاجة إليه وإلى نفقته، قلت: ربما التفت إلى (والعاملين عليها) فصَدَّه عن نبع الحنان!
- هذه القصة فتحت شهية الحديث لمجموعة من مُحبي الخير لمجرد الموعظة بأمثلة كثيرة، لن أسهب بسردها، فالإشارة تكفي اللبيب الحصيف، فأكد شيخ فاضل إن سيدة محترمة متدينة جارة لهم لا يشك بنواياها؛ تأتي لأم عياله كزيارة ثم تلاطفها بكلام يرمز لحاجتها لقليل من المال كسلفة لاحتياجات خاصة وضرورية، كما أكد أن لها من الولد من هم بحال ميسور ووظائف محترمة، وفيهم من هم بدرجات علمية متقدمة، وأضاف: لعلها غفلة الأبناء المذمومة، وتعفف الوالدة بعد فشل تلميحاتها لهم!
- زوج باحثة اجتماعية يروي عنها أنها سجَّلت حالة لأم طالبة يتيمة؛ وفي ثنايا الحديث أخبرتها الأم بكل ابتهاج أن ولدها يُحَوِّل لها شهرياً 150 ريالاً وهي فخورة به، فقد نظرت له بعين الرضا، لا بعين الواجب!
- موظفة عَبَّرت بانها كانت أقل إخوتها حزناً على أمهم حين وفاتها؛ ذلكم أنها كانت تُخصّص لها ألف ريال من راتبها منذ تعيينها، ودأبت على هذه الحال بعد فقد الوالدة فتنفق المبلغ صدقة لوالدتها على الأرامل والمحتاجين والمتعففين، وتخصص ما يكون لألعاب تفرح بها الأطفال كعادة والدتها، فماذا صنع الإخوة؟ الله أعلم بالنوايا!
- في أحوال كثيرة تكون الأم بحال ميسورة؛ فتكون صلة وبر الأبناء بوالدتهم بالأعطية والهدية نقوداً أو مواد عينية، ليس لإغنائها إنما للتعبير عن حبها ومودتها وتكريمها والرفع من قدرها وشأنها كأم وإنسانة قدمت لهم كل ما يمكنها تقديمه لهم منذ ولادتهم إلى ساعتهم تلك، فدفء الأم وحنانها لا ينقطع مع كبر الأبناء.
- الأم التي لا دخل مادي لها لا سيما إن كان الزوج غير ميسور الحال تكون سعيدة بما يقدمه الأبناء لها من مال قل أو كثر، كلٌّ باستطاعته، فهي كغيرها من النساء لها مستلزمات، وتحب مشاركة الآخرين بمناسباتهم، كما يهمها أن تظهر بنفسها وملبسها وأوانيها أمام الأخريات بمظهر مقبول، فليس من البر تركها لهواجسها وهمومها وهم قادرون على إدخال السعادة على قلبها.
- (البر والطاعة) للوالدين بينهما خيط رفيع قد لا يدركه ويلمسه البعض، فالطاعة تكون استجابة لأوامرهما وطلباتهما الموجهة للأبناء، أما البر فبالمبادرة لبر الوالدين وتلبية رغباتهما وحاجاتهما دون أن يفصحوا بها أو يبدوها، فهذا أعم وأشمل من الطاعة وأحرى للقبول من الله سبحانه وأجزل للأجر والمثوبة.