حوار - محمد العيدروس:
بدد الدكتور عبدالله الحقيل استشاري الأمراض الباطنية والمعدية في مستشفى الملك فيصل التخصصي والأبحاث المخاوف التي يعتقدها بعضهم وتشيعها بعض المراكز الدولية حول إمكانية عودة موجة ثانية لفيروس كورونا.
وقال في حوار لـ«الجزيرة»: هناك تخبط واجتهاد وإجمالاً فإن ذروة الفيروسات لا تتجاوز الأشهر الثلاثة فقط، مشيرًا إلى أنه لم يثبت علميًا أيضًا عودة الإصابة مجددًا بالفيروس لمن سبق وأصيبوا به.
وتطرق د.الحقيل إلى وضعية كورونا في المملكة، مؤكدًا أننا نسير في الطريق الصحيح علاجًا وتعاطيًا من خلال جهاز صحي متماسك وقوي وإمكانات هائلة.
وقال: نحن نعول كثيرًا على ثقافة وتعاون أفراد المجتمع ككل. فيما يلي محاور ومعلومات مهمة حملها الحوار للدكتور عبدالله الحقيل لـ «الجزيرة» وبدأت بالسؤال التالي:
** ارتفاع حالات التعافي بحمد الله في المملكة ماذا يعني؟ وما البروتوكول الطبي العلاجي المعتمد لدينا؟
* ارتفاع حالات التعافي يعود إلى التسلسل الزمني، حيث بدأ تسجيل المرض لدينا في نهاية فبراير، وبالتالي بدأ التزايد في الحالات وتحديدًا في الأسابيع الستة الأخيرة. وعادة حالات التعافي تحتاج إلى بعض الوقت وبما لا يقل عن أسبوعين وهناك حالات تحتاج إلى أكثر من ذلك. إذن من الطبيعي جدًا أن يكون التسلسل الزمني والتراكمي قد أدى إلى هذه النتائج وزيادة حالات التعافي ونحمد الله أن المملكة من أقل دول العالم في معدل الوفيات. أما ما يتعلق بقضية البروتوكول الطبي المتبع لدينا، فهناك عدة بروتوكولات منها البروتوكول المعتمد من منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الدولية وهو ما يسمى بالعلاج المعتمد.
وهناك أيضًا عدة دراسات بحثية يدخل فيها العلاج إذن فالبروتوكول المتبع لدينا في المملكة هو الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية ويتم تحديثه باستمرار وتتم متابعة جميع المستجدات التي تثبت أن هناك دراسات أو تقارير علمية تثبت فعالية بعض العلاجات يتم النظر فيها. وأخيرًا -كما تعلمون- تم اعتماد علاج «الديكساميثازون» من قبل وزارة الصحة.
* ما وضعية الحالات الحرجة والنشطة في المملكة مقارنة بدول أخرى وأين تكمن الخطورة؟
* الحالات الحرجة في المملكة منخفضة تمامًا مقارنة ببقية دول العالم وهي أقل من 10 في المائة والحالات النشطة هي ما تبقى. والآن نسب حالات التشافي والتعافي تجاوزت الـ70 في المائة من العدد الإجمالي، كما أن الحالات النشطة والحرجة لم تتجاوز الـ30 في المائة وهذا مؤشر ممتاز جدًا ويعطي الثقة الكاملة في النظام الصحي بحيث لا يكون عليه ضغط يؤدي إلى انهياره لا قدر الله. وأعتقد أن جميع ذلك مؤشرات جيدة للغاية، وأما الخطورة في تصوري فهي تكمن في عدم تعاون المجتمع من مواطنين ومقيمين لأخذ سبل الحيطة والحذر خصوصًا أننا مقبلون على التوسع في رفع الحظر. والالتزام بالإجراءات الاحترازية والكمامات والبعد عن الزحام.
* كخبير متخصص.. هل يمكن القول إن كورونا تعود لمن سبق وأصيب بها؟
* هذا الوضع لم يثبت علميًا إلى الآن. كان هناك قبل عدة أسابيع مقولة من كوريا الجنوبية تشير إلى أن من تعرض للإصابة لا يعود إليه الفيروس، لكن بعد البحث والتدقيق اتضح عدم دقة وصحة هذه المقولة وقد يكون التشخيص والتدقيق لديهم كان خاطئًا من البداية أو أنه استمرار للإصابة السابقة، لكن يمكن القول: لم يثبت علميًا عودة الإصابة إليهم مرة أخرى.
هذا المرض جديد -كما تعلمون- ومن الصعب القول إن هذا الحديث قطعي ولكن إلى الآن لا توجد مؤشرات لعودة الإصابة مرة أخرى.
مع كثرة الاكتشافات والاتفاقيات الدولية حول اللقاحات.. ما الأنسب في تصوركم للقضاء على كورونا؟
* ما يتعلق باللقاحات هناك أربع طرق أساسية وعدة طرق فرعية لتطوير اللقاحات منها ما يستخدم للفيروس الميت ويحقن به ويستعمل كلقاح بحيث إنه لا يسبب إصابة ولكنه يسهم في إنتاج المضادات التي تقي من الإصابة. وأما النوع الثاني فهو أخذ الفيروس وإضعافه مخبريًا بحيث إنه عندما يدخل الجسم لا يسبب المرض لكنه حي وضعيف جدًا ويسهم في إنتاج المضادات. وأما النوع الثالث فهو الذي يستخدم «المشتقات» للفيروس أو البكتيريا ومكوناتها لتحفيز الجسم وصناعة مضادات تقاوم المرض. وهناك نوع يأخذ المكونات الكيميائية للجرثومة لإنتاج المضادات ولا شك أن هناك عديدا من الإشكاليات تعتمد على نوعية الفيروس.
ولو تحدثنا عن فيروس كورونا حدثت منه إصابتان، هما فيروس «سارس 2003» الذي حدث في الصين وفيروس 2012 الذي شهدته منطقة الخليج العربي وهما من فصيلة فيروس كورونا.. ولم يتم تطوير لقاح لهما في حينه بحكم انحسار الموجة بشكل سريع. والآن - يمكن القول - إن هناك أبحاثا نشطة جدًا ومؤثرات تشير إلى أنه قد ينتج لقاح.
أما كيف ومتى وما الطريقة فلا أحد يعلم ويعتمد ذلك أساسًا على الأبحاث والدراسات القائمة سواء من جامعة أكسفورد أو بقية الجامعات في العالم أو المراكز العالمية فهناك أبحاث نشطة على قدم وساق.. وقد تظهر نتائج مشجعة قبل نهاية عام 2020م.
* هل تؤيدون مبدأ الحجر أو العزل الكلي للمصابين؟ وهل هناك حلول بديلة تعتقدونها؟
* أنا شخصيًا من الذين يعولون على الثقافة والتوعية عوضًا عن الإلزام والإجبار.
فبإمكانك أن تحجر على إنسان لكنه قد يتحايل على النظام بطريقة أو بأخرى.. وهو ما حدث بالفعل. ولكن حينما تركز على التوعية والتثقيف وتبين لهم ما المخاطر المترتبة وكيف يحمون أنفسهم والآخرين وتبيان المضاعفات وما إلى ذلك فإن التجاوب سيكون أكثر بكثير.
نعم الحجر مطلوب للمصابين، وقد يكون الحجر المنزلي هو الأفضل والأرخص والأسهل كوضع اجتماعي وراحة نفسية للمصاب..وإفهام المصاب أن عزله لنفسه تمامًا هو حماية له ولأسرته ومن حوله ومجتمعه.
هناك بعض الحالات التي لا يكون بها تجاوب فيجب أن يكون الحجر بالطرق الرسمية عبر المحاجر الصحية المقننة ولكن قضية الحجر التام أو وضع القيود أكثر من اللازم ففي اعتقادي أن مضاعفاتها أكثر من فوائدها.
والحجر التام على المجتمع مفيد في أوقات محددة وفي بداية الجائحة، ولكن في وقتنا الحاضر وبعد مضي 3 أشهر فأتصور أن جدواه أقل بكثير جدًا.. وهو ما هو أتصور أن وزارة الصحة تسير عليه. وعلينا جميعًا تحفيز ثقافة المجتمع نحو التوعية وتفعيل تعاونهم مع الجهات الصحية.
* محليًا د.عبدالله هل واكبنا طفرة الأبحاث العالمية نحو حلول لفيروس كورونا؟
* نعم.. لدينا أبحاث نشطة جدًا في هذا المجال سواء في مجال العلاج أو إنتاج اللقاحات. وحينما حدثت زوبعة الهيدرولسين كوين قبل أسابيع أو نحوها كانت لدينا دراسات لم تتوقف واستمررنا في إعطائه كعلاج، وما زلنا مستمرين في أنواع عدة من العلاجات البحثية والدراسات. وعموم الزملاء والزميلات في أقسام المختبرات أيضًا لديهم أبحاث نشطة في محاولة تطوير اللقاحات.
* يشاع الهلع والقلق في العالم.. أن هناك موجات أخرى قادمة للفيروس عالميًا.. هل هذا صحيح؟
* كثر التخبط والاجتهاد حول هذه الجائحة ومع الأسف أن بعضها من مراكز عالمية مرموقة بما فيها منظمة الصحة العالمية، على الرغم من أن لدينا تجارب سابقة كما ذكرنا سواء سارس أو متلازمة الشرق الأوسط.
هذه النوعية من الفيروسات بشكل عام يكون عمرها الوبائي - في العادة - قصيرًا يستمر لعدة أشهر فقط ومن ثم تختفي بشكل تدريجي ولكنها لا تنقطع كوباء إلا بعد سنوات، فمثلاً سارس استمر 5 سنوات ومتلازمة الشرق الأوسط أخذ 4 سنوات لدينا هنا وبشكل عام فإن موجة أي فيروس تأخذ قمتها في شهرين إلى ثلاثة أشهر، وعلى حسب الإجراءات الاحترازية تأخذ منحنى الانحسار.
ولا اعتقد أنها تعود مجددًا في موجة أخرى ولو نراقب ما حدث في المملكة نجد أنه هو نفسه ما حدث في أوروبا، فحينما خففت عملية الحجر زادت عملية الحالات، وقد كنا نعلم ذلك، وهذه لا تسبب أي قلق على الإطلاق. فالزيادة في العدد الإجمالي للحالات، لا يعني لنا كمختصين الشيء الكثير ولكن الحالات الحرجة أو نسبة من لديهم أعراض من المصابين أو ملاءمة الجهاز الصحي كتوافر الأجهزة التنفسية وتوافر الأسرة في غرف العناية المركزة هي الأهم والأساس، وهي ما يحدد الخوف من الجائحة ولكن الأعداد المطلقة لا تعني شيئًا. ولعل في الولايات المتحدة الأمريكية تم تسجيل أكثر من مليون حالة وعلى الرغم من ذلك هم رفعوا معظم الإجراءات الوقائية وخففوا عمليات الحجر بشكل كبير. نحن لا نتوقع - بإذن الله - أن تكون هناك موجة ثانية لفيروس كورونا، وقد يستمر حدوث حالات.
* ختامًا.. ماذا تود أن تقول؟
* نحمد الله كثيرًا.. فنحن نسير في الطريق الصحيح ووضعنا الصحي ممتاز للغاية. ولدينا جهاز صحي متماسك وقوي، وعدد الأسرة الخاصة بالعناية المركزة على مستوى المملكة كبير وتصل إلى أكثر من 8000 سرير عناية مركزة، ولم يتم استغلال سوى أقل من 20 في المائة فقط. ولكننا نعول أولاً وأخيرًا على ثقافة وتعاون أفراد المجتمع وكل إنسان مسؤول عن حماية نفسه وأسرته ومجتمعه. وإذا شعر الإنسان أن لديه أعراضًا فعليه المبادرة بعزل نفسه ومن ثم يقوم بالفحص الطبي، هذه جائحة وستمر بإذن الله. وقريبًا ستكون من ذكريات التاريخ وسيعود المجتمع إلى طبيعته كما كان في غضون أشهر معدودة.
* * *
الضيف في سطور
عبدالله عبدالرحمن الحقيل
* أستاذ الطب الباطني والأمراض
المعدية جامعة الفيصل
* استشاري الأمراض المعدية مستشفى
الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث
* رئيس اللجنة العلمية لزمالة الأمراض المعدية بالهيئة السعودية للتخصصات الطبية
المؤهلات العلمية:
* بكالوريوس الطب والجراحة
جامعة الملك سعود
* الزمالة الأمريكية بالطب الباطني
* الزمالة الأمريكية للأمراض المعدية
* الزمالة الأمريكية للأحياء الدقيقة والجراثيم
* زمالة التعليم الطبي جامعة كالجري - كندا
النشر العلمي:
58 ورقة بمجلات علمية دولية محكَّمة
المساهمة الاجتماعية:
* مؤسس ورئيس الجمعية الخيرية
لرعاية مرضى الإيدز بالرياض (مناعة)
* مشاركة واسعة بجميع وسائل الإعلام للتوعية والتثقيف عن الأمراض المعدية