لقد كان وباء الجدري من الأوبئة التي أهلكت الملايين في أنحاء العالم كافة، كانت عدواه تنتقل على نحو مخيف ومرعب، له تاريخ طويل في الإصابة والانتشار، نقله الفاتحون إلى العالم الجديد فدمر إمبراطوريتي الازتك والانكا وأباد تسعة أعشار السكان الأصليين في المستعمرات الأمريكية.
ولم يميز بين الغني والفقير أو المشهور والمغمور، فقد ماتت الأميرة بوكاهونتاس أميرة بوهاتان بالجدري عام 1617م بعد زيارة لندن، وقضى على ملكة إنجلترا ماري الثانية، وعلى الإمبراطور النمساوي جوزيف الأول، وأيضاً ملك إسبانيا لويس الأول، والقيصر الروسي بطرس الثاني، والملك الفرنسي لويس الخامس عشر، وبحلول منتصف القرن العشرين أي بعد 150 سنة من إدخال التطعيمات حدثت 50 مليون إصابة بالجدري في العالم سنوياً، وهذا الرقم هبط إلى حوالي 10- 15مليون حالة سنوياً في عام 1967 بسبب جهود التطعيم الناجحة التي قامت بها منظمة الصحة العالمية بشكل مكثف للقضاء على عليه من وجه الأرض والذي كان يطلق عليه الاسم التقليدي (السوط العتيق) الذي هدد 60 % من سكان العالم كان يقتل ضحية من كل أربعة مصابين، ويشوه أو يسبب العمى لمعظم من يبقون على قيد الحياة، ويستعصى على أي شكل علاجه، فسعت منظمة الصحة العالمية بقوة في البحث عن تفشي المرض، واستئصاله عن طريق برنامج تطعيم عالمي، وتم أخيراً حصاره في القرن الأفريقي، ولم يعلن عن إصابة سوى في الصومال، وكانت إصابة منفردة أخيرة عام 1977، ورغم وقوع ذلك فقد صدرت شهادة لجنة من علماء رفيعي المستوى بالقضاء على الجدري عالمياً في ديسمبر 1979، وتبنت هذه الشهادة منظمة الصحة العالمية عام 1980.
المثير للجدل والاستغراب هو وجود مستودعات معروفة للفيروس؛ الأول في برمنجهام في إنجلترا، دمر فيما بعد لحدوث تسرب غير مقصود للفيروس من حاوياته تسبب في عدة وفيات، وبقي هناك مستودعان يقال إنهما يستخدمان للأغراض الطبية، ولكن الحقيقة تقول إنهما معدان للاستخدام في الحرب الجرثومية، وهذان موجودان في مركز مكافحة العدوى والوقاية في أتلانتا بولاية جورجيا بالولايات المتحدة، والثالث في مركز أبحاث الدولة لعلم الفيروسات والتكنولوجيا الحيوية في كولتسوفو بروسيا، بقى أن نقول فكرة التسرب تظل واردة على خلفية مستودع برمنجهام، لذلك من الواجب تدمير مخزون تلك المراكز من أجل سلامة العالم كافة.