منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في الأول من يناير عام 1965م فقد رافقتها مواقف التشكيك والتخذيل من قِبل قوى وفصائل مختلفة قومية ويسارية وإسلامية، ولكل واحدة منها مبرراتها الحزبية والفصائلية، وارتباطاتها فوق الوطنية وربما العابرة للدول والقارات أحياناً، وبعد أن ثبت لها خطأ وخطيئة مواقفها التشكيكية والتخذيلية من الانطلاقة اضطرت لاحقاً هذه القوى والتيارات أن تلحق بركب الثورة والحركة الوطنية وأن تدخل إلى ساحة الصراع والمواجهة العملية، بتشكيلها فصائل مقاومة مسلحة وغيرها، تحت المظلة التي أتاحتها ووفرتها لها حركة فتح، التي أثبتت انطلاقتها صحة التوجه والانتقال بالحركة الوطنية من مرحلة التنظير إلى مرحلة الفعل الثوري على الأرض، وبدأت معها مسيرة استعادة الهوية الوطنية الفلسطينية باعتبارها قضية وطنية قومية إنسانية عادلة تستحق الدعم والمساندة عربياً ودولياً، في مواجهة المشروع الصهيوني الكولنيالي العنصري في فلسطين، مراكمة الإنجاز تلوَ الإنجاز على طريق تحقيق أهدافها الوطنية والقومية التي انطلقت من أجلها مستخدمة كافة أشكال التعبئة الوطنية وكافة أشكال النضال المشروعة دون استثناء، لكن هذه القوى رغم مشاركتها المهمة في مسيرة الثورة والمقاومة، آثرت وبقيت أسيرة إلى شبكة ارتباطاتها وتحالفاتها فوق الوطنية والتي تمثِّل مرجعياتها الفكرية والأيديولوجية، وبقيت أسيرة لعقدة البحث عن صفة التميّز عن حركة فتح في ساحة العمل الوطني، رغم اختفاء بعضها وضعف البعض الآخر منها، استمرأ بعضها ممارسة سياسة الرفض أو سياسة الحَرد لمنحِ نفسها صفة التميّز عن الموقف الوطني الواقعي العام الذي تمثِّله حركة فتح، متهمةً الآخرين بالتفريط تارةً والمغامرة والمقامرة تارةً، دون أن تحقق هي أي إنجاز ذي أهمية تذكر أو ينسب إليها عبر مسيرة زادت عن نصف قرن من الكفاح، سوى أنها استمرت في التمترس في مواقع المعارضة، تبرر وتغطي هذه المواقف السلبية عبر مسيرة النضال الوطني (بالطهر الثوري وبالمواقف الأكثر تشدداً وتصلباً والأكثر طوباوية ونقاء)، وكأن دورها يقتصر على تسجيل المواقف فقط، بغض النظر عن عدم واقعيتها وعدم جدواها، بل دون حساب للنتائج التي كانت في كثير من المحطات تدميرية للوحدة الوطنية ولبعض الإنجازات وقد أدت إلى فقد بعض الساحات النضالية المهمة في بعض الأحيان، وهنا أذكر لقاء ضمني مع مجموعة من الإخوة المناضلين من فتح وتلك التظيمات في مدينة رام الله قبل عشر سنوات ومنهم قيادات من الصفوف الأولى ممن عاصروا المسيرة النضالية منذ بداياتها دون ذكر الأسماء مع حفظ الألقاب وأوفر الاحترام للجميع، حيث وصل أحد القادة إلى خلاصة لخص فيها المشهد الفلسطيني بالتالي (استطاعت حركة فتح عبر المسيرة وبهدي مبادئها وأهدافها البسيطة والواضحة، التي انطلقت من أجلها أن تصنع برامج كفاحية وسياسات تستجيب لنبض الشعب الفلسطيني وبالتالي استحقت قيادته من خلال الإطار الجبهوي الناظم «م.ت.ف» على عكس بقية الفصائل التي كان لها ارتباطات مع بعض النظم أو القوى الحزبية فوق الوطنية، وعلى عكس القوى التي تبنت النظرية الماركسية كنظرية ثورية لها لتميّزها عن حركة فتح، مما أدى إلى توهانها في سراديب الأيديولوجيا واستنزاف الجهد في تعلّمها ومواجهة تناقضها مع الموروث الثقافي والديني للشعب الفلسطيني، كل ذلك حال دون قدرتها على تقديم البرامج والسياسات الواقعية والعملية التي تحاكي نبض الشعب الفلسطيني واحتياجاته المرحلية والإستراتيجية ضمن منظور واقعي وعملي، مما حدا بها أن تستمر في التمترس في خندق المعارضة وللأسف المعارضة السلبية في أحيان كثيرة، انتهى قول الرفيق). أعتقد أن هذا التوصيف والتلخيص الدقيق لا يزال قائماً وصالحاً لتفسير المشهد الفلسطيني القائم اليوم، بالتالي نخلص إلى أن سياسة الحَرد تارةً والتشكيك بالمواقف والسياسات المعتمدة تارةً أخرى، والاكتفاء بتسجيل المواقف دون أدنى اعتبار لما يمكن أن يتمخض عنها من سلبيات على مجمل الإنجازات الوطنية ومسيرة النضال الوطني، مثل هكذا مواقف عدمية لا شك في ضررها البالغ على الكل الوطني لعدم واقعيتها وعدم موضوعيتها، إن المستفيد من ذلك فقط هي تلك القوى التي تزعجها الوحدة الوطنية الفلسطينية، فهل يدرك الإخوة في مختلف الفصائل داخل وخارج «م.ت.ف»، خطورة مثل هذه المواقف السلبية على مجمل النضال الوطني الفلسطيني وعلى مستقبل القضية، في الوقت الذي يحتدم فيه الصراع مع المشروع الصهيوني، وأبسط العارفين بالشأن الفلسطيني يدركون أننا ذاهبون إلى الاشتباك لا محالة مع العدو بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى وعلى مستوى كل الصعد، ألم يَحِن الوقت ليكفوا عن مواقف وسياسات الحَرد والمعارضة السلبية..؟!