الكلمة الطيِّبة سعادةً للمتلقي واطمئنان واستقرار له، بل هي تحفيز للملقي لتلقي القبول والرحابة من الملقى إليه وبالكلمة الطيِّبة تستطيع أن تملك دولاً بشعوبها وتستطيع أن تملك وتكسب كل من عرفك وعمل معك أو حتى مجرد قابلك.. ولكن بالكلمة القبيحة حتى نفسك تتبرأ منك! فاحرص على الكلام الطيِّب واعلم أنك لست مالكاً لأحد حتى أبنائك، ولست منشوداً عن أحد إلا من ولاَّك الله عليهم بالتي هي أحسن وفي حدود قدرتك، وما خرج عن القدرة لست مكلفًا به ولست مسؤولاً عنه، كما قال الله عزَّ وجلَّ لسيدنا نوح عليه السلام عندما عصا عليه ابنه ولم يستجب لنداء ربه قال تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}؛ واعلم أن صاحب الخُلق في الدنيا محمود وفي الآخرة محمود كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، «والكلمة الطيِّبة صدقة»، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة). رواه البخاري. وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في الجنة غرفة يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات يصلي والناس نيام). فهذه الأحاديث النبوية تدل على فضل الكلمة الطيِّبة وعظم مكانتها في الدنيا والآخرة وطيب أثرها وعاقبتها على النفوس. ولا شك أن أثرها عظيم ونتائجها أعظم كما قال الله عزَّ وجلَّ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}.
فالواجب على الشخص أن يحرص دائماً كل الحرص على ما يقول ويتق الله فيما يقول، فلا تستحقر الكلمة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا)، رواه الترمذي وحسَّنه.
فإن الكلمة لها مكانتها وتنتج عنها نتائج ملموسة وغير ملموسة ولها آثار إيجابية إن كانت طيِّبة وآثاراً سلبية إن كانت سيئة ونحن في حقيقة الأمر لم يخلقنا الله عزَّ وجلَّ في هذه الحياة الدنيا لجرح المشاعر وكسر حواجز الحياء والتعدي على الآخرين والتلفظ على هذا وذاك، بل خلقنا الله عزَّ وجلَّ لعبادته وحده وأمرنا بأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، ومن تلطّف الله عزَّ وجلَّ مع عباده لم يأمر أنبياءه بالقسوة في القول مع الطغاة المتجبرين في الأرض بغير الحق، بل أمرهم بالقول اللين والكلمة الطيِّبة كما أمر موسى عليه السلام عندما أرسله إلى فرعون، حيث قال الله عزَّ وجلَّ: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.
فأبدى الله عزَّ وجلَّ القول اللين والكلمة الطيِّبة على القوة والشدة، ومن هذا المبدأ نتعلَّم جميعاً آداب الحوار مع من نختلف معهم سواءً في القول أو الفعل، وعلينا أن نتبع نهج الأنبياء والصحابة والسلف الصالح مع من نختلف معهم سواءً إن كانوا لنا أصحاباً أو أهلاً أو أعداء، فنهج الرسل والصحابة والسلف والتابعين ومن بعدهم من الأخيار عند حدوث خلاف هو كما قال الله عزَّ وجلَّ: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، كما أنهم في نقاشاتهم عند الخلاف مع الآخرين يتحلَّون بعدة أمور ومن أهمها التأني والتحرّي والتقصّي والعمل بمنهج الحجة والبرهان والدليل الثابت وكل هذا لأجل سلامة المبدأ وعدم الخوض في ما لا ينفع والتأكد من صحة الكلمة وإدراجها وفحصها من كل ما يشوبها من عيب قبل إخراجها وكما قيل في حفظ اللسان المثل العامي الذي يقول «لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك»، كما أنه ينطبق أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي في حالها اليوم، ومما يؤسفنا عندما نرى من تخبط وسب وشتم وهذاك يقذف هذا وهذا يقلِّل من شأن هذاك وكلها لا تمثِّل أخلاق المسلم ولا مبادئه ولا عروبته ومما يؤسفني في الحقيقة عندما أرى بعض الأشخاص في حالة الاختصام مع آخر يذهب ليجري البحث والتفتيش وراء هتك ستر خصمه وإظهار عيبه وفضحه أمام الناس وهذا ليس من مروءة الشخص وليس من الشجاعة، بل أقل ما يُوصف به هو الخساسة والدناءة في الأخلاق والمروءة، فيجب على الشخص رفع نفسه ومستواه حتى في الخصام حتى يرفعه الله.