محمد ناصر الأسمري
ربما تكون الهزيمة سبيلاً لنصر من خلال تلمس مواطن الخلل وسد الثغرات؛ عملاً بمبدأ الجودة الشاملة التي ترى في إبراز العيوب مسارًا لتحقيق الجودة والتفوق، لقد كانت أمتنا قدوة ومثالاً بكثرة العلماء والباحثين في شتى فنون المعرفة الإنسانية فقامت مدارس فقهية وتاريخية ومذاهب، تحلت فيها روح التسامح وتغليب المصالح بفعل جدة الرأي وقبول الآخر رغم ما صاحب ذلك من فترات ظالمة في بدايات الصراع على السلطة بعد مقتل الخلفية عثمان بن عفان، ومع هذا فإن المرء في عصرنا الحاضر يجد فيما ساد في ماضي أمتنا من ملل ونحل ومذاهب ومدارس كان فيه أنواع من الرحمة حين كان التقدير وأدب الحوار والاختلاف سائدًا، ولو نظرنا اليوم للخصومات والعداء في الاختلاف الذي وصل به البعض إلى تكفير من يختلف معه في الرؤية والطرح، ولعل منصات التواصل الاجتماعي تعطي أمثلة صارخة على الجور والإسفاف والكذب.
رغم كل الصور الجميلة لماضينا وكذلك الصور القاتمة التي هزت أمتنا في هزيمة الأندلس والخروج منها بذلة فقد استمر الترابط بين أفراد ونخب رغم الخصومات والصراعات السياسية للأنظمة المتعاقبة من الأمويين والعباسيين ومن جاء بعدهم التي طمست بفعل الغباء السياسي وغرور السلطة حقائق مِن صفحات التاريخ الإنساني والحضاري.
كان بالإمكان معالجة آلام الجراح في إطار توالد القدوة والمثال في صنوف الفكر والإبداع الإنساني والعلمي من الذين كانوا مشاعل النور والتنوير والهداية وللتقدم الحضاري المشترك لعالم اليوم ومن خلال ما آثرت به أمتنا أوروبا في بدايات عصر النهضة وفي العصور الوسيطة من معارف وعلوم وفنون. لقد تكالبت على أمتنا خلال القرنين الماضيين مصائب كثيرة ولم يكن بد من الاستحالة والتغلب عليها وآثارها كما تفعل كل الأمم المصابة والمهزومة.
لقد خلقت فينا روح الهزيمة، ووجد فينا روح الهزيمة بل ربما مرجعة الاحتفال بالهزائم فأصبح وعد بالفور وسلب فلسطين عام نكبة احتفالية بالهزيمة وأصبح الخامس من حزيران 1967م كذلك. وهذا لعمري قمة في التخلف الفكري وضعف في الإيمان بأقدار الله، وانهزامية تولد الضجر والقلق والاكتئاب. تبرز عدة تساؤلات مقلقة مثل: ألم يكن في حرب وكفاح الجزائر من مفاتح النصر وفي إنجاز عمل آلاف المهندسين والضباط المصريين عام 1973 م وعبور قناة السويس واقتحام أكبر وأشد متراس عسكري على مر التاريخ الحديث - خط بارليف؟ مرجعية راقية للاحتفال بالنصر على الهزيمة النفسية قبل غيرها لقد سطر الرئيس المصري حسني مبارك (قائد القوات الجوية) في كتابه (كلمة السر) (دار نهضة مصر2013م) ما قامت به مصر شعبًا وقيادات وقوات مسلحة من خطط وأعمال لإعادة الروح للمواطن المصري ومن ثم العربي الثقة بالنفس حتى تم استعادة زمام الأمر وتم التنفيذ الدقيق لحرب رمضان - أكتوبر 1973م وهزمت روح الغرور والاستعلاء الإسرائيلي حين استفادت القيادات السياسية والعسكرية المصرية في إنماء الروح المعنوية للشعب أولاً ثم العسكرية وتحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر وتحطمت واندحرت كل قوى الظلم والعدوان التي ساندت وروجت للهزيمة.
أما آن الأوان أن ننتهي من روح الهزيمة. الهزيمة هوان ومن يرضى بالهوان فليس منا.