د. حسن بن فهد الهويمل
عتبة المقال عنوان كتاب مهم للأديب التراثي المتميز (محمود بن محمد شاكر) رحمه الله, خطر على بالي, وأنا أفكر في مقال هذا الأسبوع. وهذا من باب التداعيات, والأشباه, والنظائر.
لم أستطع الفكاك من حاضر أمتنا, منه نخرج, وإليه نعود. وكيف يتأتى لمثلي الخلوص من همومها. ولا سيما أن حمل الهم جزء من الولاء, والبراء.
واقع أمتنا بؤرة جذب ملتهبة لكل من يحمل هم الكلمة الطيبة, كلمة الإصلاح على هدي من الكتاب, وصحيح السنة, أو كلمة الخبث المجتثة.
فما كل متحدث مسدد, وما كل كاتب موفق.
ولما كانت قضايا الأمة مطروحة في الطريق, ولها جاذبيتها, فإن كل مقتدر يتهافت عليها, فإما أن يزيدها ارتكاساً في الوحل, أو أن يقيل شيئاً من عثراتها, ويساعدها على التفكير السليم, والخلوص من دركات الشقاء.
كل متفاعل يمتشق قلمه, فموبق أمته, أو معتقها. ولو سدد الجميع لما بلغت الأمة الدرك الأسفل من الذلة, والهوان, وذهاب الريح.
من الخطأ أن يتصور المتقحم الوفاق المطلق, إذ من الخطل, والخطأ أن يقطع أحدٌ بأن قوله الحق, وقول غيره الباطل.
يروى عن أحد الأئمة, وأظنه (الشافعي) -رحمه الله- قوله:
(قولنا صواب يحتمل الخطأ, وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب) أو كما قال.
والاحتمال غير القطع. وكل مشارك يقترف خطيئة القطع بصوابه يدخل في دائرة التعصب المقيت. وتلك من إشكاليات المشاهد كلها.
لم أدخل بعد في صلب الموضوع, وما ألهاني عنه إلا كثرة الأدعياء, الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
السياسة معترك الأقران, هي بيت الداء, وأم المشاكل, لأنها (فن الممكن). وعلى الرغم من تقلباتها الطقسية المضرة, يتهافت عليها المسكونون بهمومهم: القومية, والوطنية, والدينية. يخطئون, ويصيبون, ويضرون, وينفعون, ولكنهم لا يجدون بداً من العودة إلى ما يقلقهم, ويستنزف طاقاتهم. وهذا من سنن الحياة صراع لا يفيق.
كل من يحمل هم وطنه, بكل أبعاده المتمثلة بالقيادة, والعقيدة, والسيادة, والأمن, والاستقرار, لا يجد بداً من تقحم عوالم السياسة, التي تشبه (ملاعب الجِنَّةِ) لا تدري مع من تكون, تتكشّف لك عن خبيئات مفاجئة, قد لا تحكم أسلوب التعامل معها.
ما يسوء الشرفاء, خصوم غير شرفاء, يفترون الكذب, ويبيعون قدراتهم البلاغية في سوق النخاسة الفكرية, إنها الخِسَّة, والدناءة, وسوء الخلق, وانعدام الكرامة. هذا الصنف الرديء, يزيد في التعقيد, ويصعد الخلاف.
أن تختلف مع غيرك هذا حق, وأن تلتمس الموهنات له, فتلك شطارة, وأن تعزّز رؤيتك بما تشاء من القول فهذه حيلة. ولكن أن يكون همك ملء جيبك, وبطنك, دون أن تكون لك قضية تحمل تبعاتها, ودون أن يكون لك موقف شريف تجاهد من أجله, فذلك عين الخسار, والبوار, والتفاهة, والضَّعَة.
(المملكة العربية السعودية) كأي دولة, جزء من هذا العالم المضطرب, لها مصالحها, ولها سياستها, وسيادتها. تخطئ, وتُصيب. تقصر, وتتم. لا ندعي لها العصمة, ولا نسمو بها فوق النقد, والمساءلة, ولا نراهن على عدم تعارض مصالحها مع الغير.
وحين نقطع ببشريتها, واحتمال خطئها, فإننا لا نقبل الافتراء عليها, وتلفيق التهم لها. دولة لها حضورها الفاعل في مجمل القضايا العالمية المصيرية, همها جمع الكلمة, ورأب الصدع, والدفاع عن قضايا الأمة المعقدة, وكشف عوار السياسات التوسعية الطائفية, والقومية. لقد دعمت (الإخوان) واستقبلت مرشحهم, وحين نُكِسوا على رؤوسهم, وبدت العداوة من تصرفاتهم, ضربت ضربتها التي حفظت أمنها, واستقرارها.
ولم تزد على ذلك, غير أنهم ارتموا في أحضان أعدائها, وسخَّروا إمكانياتهم البلاغية, ومكرهم, للنيل منها, والسعي المكشوف لتفكيكها, أو تحجيمها, وتهميشها.
وقل مثل ذلك عن عرب الشتات, وبخاصة الفلسطينيون منهم الذين أوغلوا في تخوين المملكة, مع أنها الدولة الوحيدة التي لمَّا تزل تدعم القضية بالمال, والقول, والفعل, وهي التي لما تزل تُعَرِّض مصالحها للخطر, وهي التي لم تعترف بالكيان الصهيوني, ولم تصالح, ودعك من (حماس) التي مزَّقت وحدة الفلسطينيين, وارتمت في أحضان الرافضة المجوس ألد أعدائها, وأعداء قضيتها.
المملكة تقاوم جبهات متعدِّدة, ليست ضدها وحسب, إنها ضد القومية, والإسلام, والاستقرار العربي المشروع.
جبهات توسعية طائفية, وقومية تريد تقاسم العالم العربي, وتمزيق الممزّق, تعيش أحلامها الصفوية, والعثمانية.
(إيران) و(وتركيا) و(الإخوان) و(حماس) و(قطر) و(حزب اللات) جبهات قوية لا يستهان بها, متعدِّدة المهمات, والمملكة تجالد, وتجاهد, وتحاول الدفع, أو الاحتواء, أو التحييد, وحين لا يتأتى لها شيء من ذلك فليس أمامها إلا المواجهة العسكرية.
إن على الدول العربية التي لم يجتحها (الربيع العربي) ولم تدنس أرضها أقدام الغزاة الجدد أن توحِّد صفوفها, وأن تصفي خلافاتها, وأن تواجه قدرها المأزوم بما يردع العدو, ويذهب ريحه.
الأمة في خطر, وأخطر شيء العمالة, وبيع الكرامة, وفقد القيم.
الحرب النفسية, والإعلامية, وقلب الحقائق, والافتراء, والتزوير. ممهدات للغزو العسكري المرتقب, والقائم.
ونعود لنقول إنه نمط صعب, ونمط مخيف.
نمط صعب, لأن الدولة تواجه منظومة متفانية لتحقيق مآربها.
ونمط مخيف, لأن اللعبة القذرة, هي التي صنعت هذه المنظومة.
{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز}.