د. محمد بن عبدالله آل عمرو
تطرق الجزء (1) من المقال إلى إحصاءات الطلاق في المملكة في شهر جماد الأولى 1441هـ التي بلغت نسبتها إلى حالات الزواج 57 % وهي نسبة عالية جداً، وإلى أهمية وجود جهة حاضنة لهذه الظاهرة، وإلى أهمية وجود نظام يحكم العلاقة الزوجية، ويحفظ الحقوق لجميع أطرافها، الزوجة، والزوج، والأطفال.
وحتى مع وجود ذلك النظام ووضعه موضع التنفيذ فإنه لا غنى لكلا الزوجين قبل الموافقة على مشروع الزواج من التأكد بدرجة عالية من توفر أسس نجاح العلاقة الزوجية التي تدور في جملتها حول أمور منها: وضوح حقيقة الصورة المثالية المرسومة عن تدين وسلوك وأخلاق كل طرف، والقدرة على التكيّف مع التكوين النفسي والانفعالي للطرف الآخر، وكذلك التوافق الفكري والثقافي بين الزوجين في النظرة للحياة، والغاية من الزواج، وواجبات ومهام كل طرف، وامتلاك مهارات أدب الحوار عند مناقشة أي موضوع مؤثِّر في الحياة الزوجية؛ وتكافؤ الزوجين في المكانة الاجتماعية، والقدرة المالية، والمستوى التعليمي. ويستطيع الزوجان تحقيق مفهوم السكنى وبلوغ مستوى المودة والرحمة التي أشارت لها الآية الكريمة في قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم.
بالوعي الكافي للآثار السلبية المحتملة للطلاق ومن خلال جملة من الممارسات القيمية المستمدة من ثقافتنا الإسلامية منها:
* الثقة المتبادلة بين الطرفين: حول استقامة السلوك، والأمانة، والأخلاق؛ فما يدمر العلاقة الزوجية مثل الشك في نزاهة الشريك، واستقامته، واستجلاب بعض الإسقاطات السلبية عند الآخرين وتلبيسه إياها.
* الاحترام والتقدير المتبادل بين الطرفين: المناداة بأحب الأسماء والألقاب إلى النفس، واحترام الرغبات المشروعة، والمحافظة على الوقت والمواعيد، ومنح الحقوق المعنوية والمادية، وتقدير الجهد والتضحيات وعدم الاستخفاف بها، والتقليل من أهميتها، وتقدير الأهل والأقارب.
* الصبر والتحمّل: الحياة الزوجية ليست مجرد نزهة قصيرة أو علاقة غرائزية بدون مسؤوليات وواجبات، فهي علاقة مقدسة تتطلب الالتزام بكثير من الواجبات غير المعهودة في حياة ما قبل الزواج، ومواجهة كثير من التحديات بقدر كبير من الصمود لمواجهتها وتذليها، وافتقاد الزوجين أو أحدهما لقيمة الصبر والتحمّل يؤدي إلى الفشل السريع لمشروع العلاقة الزوجية.
* حسن الظن وسلامة الصدر: إن التفسير الإيجابي للأقوال والأفعال وحملها دائماً على المحمل الحسن حتى لو كانت تحتمل غيره، وتلمس الأعذار وعدم الحكم على النوايا، والتثبت من صدق ما يسمع ويرى، وعدم التسرّع في الإدانة والملامة، مع سلامة الصدر من الضغينة والحقد والكراهية، كل ذلك من أهم عوامل تماسك العلاقة الزوجية وعدم تفككها.
* التحلّي بأدب الحوار الراقي: القول الحسن، والخطاب اللين، والحكمة، والموعظة الحسنة آداب ربانية ومنهج قويم للبيان والإقناع، حوار ليس به استعلاء واستكبار، حوار ليس به غلظة ولجاجة، حوار كله مودة ورحمة، حوار هدفه تحقيق المصلحة المشتركة، والغاية المنشودة.
* العفو والصفح: لا تخلو الحياة الزوجية من بعض الهفوات والأخطاء غير المقصودة واختلاف وجهات النظر في تفسير بعض المواقف، وهذا أمر طبيعي، وإن تفهم الدوافع، وغض الطرف والتجاهل، والعفو، وعدم تضخيم الهفوات واجترارها يعزِّز استقرار رابطة الزواج.
* ثقافة الاعتذار وقبوله: من الطبيعي أن تتسبب بعض الأخطاء في حدوث بعض التصدعات في متانة العلاقة الزوجية، وإنَّ أسرع وأنجع المعالجات لذلك الخلل هو المبادرة إلى الاعتذار الصادق، ثم مبادرة الطرف الآخر لقبول الاعتذار، ولتكن ثقافة الاعتذار وقبوله حاضرة لدى الزوجين لأن الأخطاء حتماً ستحدث بين حين وآخر.
* ثقافة السرية: إذا لم يحدث انحراف سلوكي أو فكري مخل لدى أحد الزوجين، فإن حرص الزوجين على سرية حياتهما، يقوي علاقتهما الزوجية، ويسير بها نحو آفاق رحبة من المودة والرحمة.
* ثقافة إحراق السفن: مبدأ عدم التفكير أو اللجوء إلى الطلاق، أمر في غاية الأهمية لضمان النجاح والاستقرار الأسري، ما لم يطرأ انحراف فكري أو سلوكي يصعب التعايش معه.
* المشاركة في الاهتمامات وتحمّل المسؤوليات، والتفكير المتفائل نحو بناء مستقبل مشترك، فعَّال ومنتج، يعزِّز العلاقة الزوجية ويقويها ضد عوامل التحلّل والتفكك.
خاتمة لأبي تمام:
ما حَسرَتِي أن كِدتُ أقضي إِنما
حسراتُ نفسي أَنني لم أَفعلِ