أحمد المغلوث
خلال الأيام الماضية وحتى اليوم والحديث ما زال يتواصل عن المبادرة الملهمة والفاعلة التي أعلنتها وزارة الثقافة في المملكة مؤخرًا لتحويل المكتبات العامة إلى منصاتٍ ثقافية تقدم العديد من الفعاليات والأنشطة المختلفة. ومنذ بدأ الإنسان التعلم وسبر غور المعرفة، كان يتحمل الصعاب والمشاق ليسافر إلى العديد من الدول للبحث عن كتاب أو التحقق من رواية أو التأكَّد من معلومة.. ولقد سبق المسلمون غيرهم في القراءة والاطلاع مبكرًا بفضل كونهم أمة «اقرأ» وبالتالي بدأ الوراقون وعشاق الكتب في جمع المخطوطات ومن ثم تكرار نسخها وتجليدها لتصبح كتبًا ومن ذلك اتسعت المعرفة والإقبال على حب القراءة والاطلاع في العديد من العواصم العربية والإسلامية في المدينة المنورة ومكة المكرمة وبغداد والكوفة والقاهرة ودمشق وصولاً إلى الأندلس والمغرب. وهكذا نجد أن أقدم المكتبات في العالم هي الموجودة في العالم العربي والإسلامي ومنها انتقلت المعرفة إلى أوروبا. وكانت المكتبات فيما مضى من زمن مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالجوامع والمساجد وحتى المدارس.. حيث كان الطلاب والدارسون والباحثون يعتكفون جنبًا إلى جنب مع العلماء والشيوخ حيث يكونون في معزل عن العالم الخارجي. وذلك للتفرغ للعلم والدراسة.. وتمضي الأيام والشهور والعقود والقرون لتصبح المكتبات العامة في مختلف دول العالم لها أهميتها وقيمتها لا المعرفية والثقافية فحسب وإنما حتى في تأثيرها الاقتصادي على الدول التي توجد فيها. فنجد الآلاف من الطلاب والطالبات يسافرون إليها لإعداد دراساتهم وبحوثهم العلمية خلال تحضيرهم لرسائل الماجستير والدكتوراه وغير ذلك من المجالات البحثية والمعرفية. وبالتالي فهم ومن خلال إقامتهم في هذه الدولة أو تلك فهم يصرفون الأموال. وبطريقة غير مباشرة يسهمون في دعم اقتصادها. ولا شك بعد هذا أن مبادرة وزارة الثقافة في ضخ عديد من الأنشطة والفعاليات لمكتبات مدننا ستسهم في رفع سقف الفائدة من وجودها. وتحقيق مزيد من المكتسبات الثقافية والفنية حتى الاجتماعية، فالمجتمعات في عصرنا الحديث باتت متعطشة للكثير من الفعاليات التي تدعم المواطن وتسهم في توفير المعرفة والمتعة الفنية وتضاعف من فهمه للذائقة الجمالية بوجود المعارض المتنوعة داخل أروقة وقاعات المكتبة حيث يساعد وجودها في مكان واحد على إتاحة الفرصة أمام زوار المكتبة على مشاهدة أشياء كثيرة غير الاطلاع على الكتب. فهم سياهدون المعارض التشكيلية على اختلاف أنواعها والاستمتاع بسماع المقطوعات الموسيقية، بل حتى حضور محاضرة أو ندوة ما تقام داخلها. قبل سنوات أتاحت لي الظروف زيارة «مركز راولي» بمانشستر الذي كان والحق يقال مركزًا ثقافيًا جاذبًا لتعدد الأنشطة التي تقام داخله وعلى مدار العام ففيه سينما وقاعات عرض وحوانيت لبيع اللوحات والصور والمصغرات الفنية إضافة إلى أكثر من وجود قاعة للاجتماعات والمحاضرات وصالات العرض.. وكم هو جميل أن نحسن توظيف الرسالة الحقيقية لمكتباتنا العامة أو مراكزنا الثقافية وحتى أنديتنا الأدبية كما فعلت وزارة الثقافة الوثابة من خلال مبادرتها التي من خلالها وبها تلاحق وزارتنا الموقرة المستقبل بقوة ونشاط محمودين.. لنصل برسالة مكتباتنا العامة إلى الأهداف المنشودة التي يتطلع إليها الجميع. فشكرًا لوزارة الثقافة على مبادرتها الرائعة والعظيمة!