توثيق سيرة الرجال المميزين واجب ديني وسلوك وطني، ومنهجية تاريخية توارثها الخلف عن السلف منذ القدم ومنذ بدء التأليف وكتب توثيق مسيرة الشخصيات العظيمة لم تتوقف وعلى رأسهم نبينا الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ومن سار على نهجهم جيلاً بعد جيل.
وهكذا لم تخل القرون السابقة من كتب التراجم والسير والحديث عن الفضلاء، ولأجل هذا فقد أحببت أن أشارك بتوثيق سيرة أحد أبناء هذا الوطن الذين كان لهم دور مشرف يسعدني الحديث عنه شعرًا ونثرًا ويسعدني أكثر رابط القرابة بيني وبينه، فلم تكن القرابة مانعًا عن الكتابة كما يظن البعض، بل كانت سببًا ودافعًا لأن أهل البيت أدرى بما فيه وأنا أنشر هذه المحاسن عن هذا الرجل الكريم -رحمه الله-، فهو عمي: عبدالرحمن بن محمد بن ناصر الغانم من رجالات الوطن المخلصين فقد عمل في مركز إمارة عودة سدير حتى تقاعد. وهو من وجهاء مدينة العودة، وكرمائها وقد جعل بيته مقصدًا، للقريب والبعيد والمحتاج والفقير، فهو قريبٌ من الجميع بقلبه الكبير، وعطفه ورحمته وله أيادٍ بيضاء في وجوه الخير المختلفة فقد بنى أكثر من مسجد في بعض البلاد المسلمة عاش ما يزيد عن ثمانين سنة عركته فيها الحياة وسبر أغوارها فكان ذا حكمةٍ وتجربةٍ ينهل منه جليسه إِذ كان له مجلسٌ حافلٌ بالأنس والمحبة والحكمة.
توفي -رحمه الله- مبطونًا في 7-10-1441هـ، فجاءت هذه القصيدة تأبينًا ورثاءً ووفاءً لما له
من مكانة كبيرة ومحبة في قلبي:
رحيلك يا عمَّاهُ مُرٌّ وموجِعٌ
وفَقْدُك للقلبِ المحبِّ يُصدِّعُ
فآهٍ وآهٍ إنَّ موتك مُحزنٌ
وفي الصبرِ سُلوانٌ به أتدرَّعُ
تألم قلبي والأحاسيس مسَّها
من الحزنِ نارٌ واللواحظُ تدمعُ
إلى الله مبطونًا رحلتَ حبيبنا
فأنت شهيدٌ ذا رجاءٌ سينفعُ
هو الظنُّ بالله الرحيم إلهنا
فربي عظيمٌ بالعطاءِ يُوسِّعُ
سنفقدُ قلبًا بالمودةِ عامرٌ
سنفقدُ وجهًا بالبشاشةِ يسطعُ
سنفقدُ مضيافًا به الجود والوفا
له الناسُ تأتي بالمكارم تسمعُ
سنفقدُ مَنْ بالمالِ جادَ مُفرِّجًا
كروبَ أُناسٍ من همومٍ تَروَّعوا
سنفقد طودًا للوصال يقودنا
حريصٌ على الأرحام في الأجرِ يطمعُ
سأفقدُ يا عمَّاهُ مجلسك الذي
لكم نلتُ فيه الحبَّ منك وتزرعُ
فتخجلني منك الحفاوةُ راحلي
بحبك ياعمَّاهُ رأسيَ أرفعُ
فكم جلسةٍ زادت حياتي حكمةً
بها أنت يا عمَّاهُ تروي وتُبدعُ
لئن طال مني الغيبُ عنك تزورني
بصوتك في الجوال لطفك يُمتعُ
بسطتَ ليَ الكفَّ الكريمةَ تبتغي
ليَ العونَ في الدنيا وخيرك مُمرِعُ
سأبقى لكم - ياعمِّ- ربيَ داعيًا
لعلي أفي بعضَ الجمائلِ أُرجعُ
عزائي لنفسي فيك يا عمِّ خالصًا
به الحبُّ دفَّاقًا ولا أتصنَّعُ
ويا ربِّ ألهمني اصطبارًا بفقده
وأخلفْ بخيرٍ إنني لك أضرعُ
أُعزي أبي الغالي بفقدك راجيًا
له الصبرَ والسُلوانَ والهمَّ يُدفعُ
أواسي بإحساسي وحرفي أحبتي
بنيك الرجالَ الغَرَّ فيك أُودِّعُ
فيا ربِّ فاجبرْ للكرامِ مصابهم
وعنهم فأبعدْ كلَّ ما هو مُفزِعُ
على أمِّ فهدٍ يا إلهي فأنزلنْ
سكينةَ قلبٍ مع ثوابٍ يُشيِّعُ
ويا ربِّ فاغفر للفقيد حبيبنا
وأسكنه فردوسَ الجنانِ يُمتَّعُ
** **
عبدالله بن سعد الغانم - تمير - سدير