عبد الله باخشوين
- 1 -
** عندما تستيقظ من النوم.. لن تقفز من سريرك كأن أحدًا عضك.
سوف تتمطى، وتفتح نصف عينك، وتفكر بالأحلام التي احتلت معظم ساعات نومك.
تخطو خارج فراشك بهدوء، وتفكر:
- (الطائرة قبل أن تطير تُحدث ضجة كبيرة وهي تذرع المدرج، وتُحدث ضجة أكبر
وهى تندفع لتطير.
النسور على قمم الجبال تنطلق دفعة واحدة في السماء الزرقاء..
خفيفة رشيقة.. وتعلو ثم تعلو.. وفي مداها تفرد جناحيها وتحضن في تحليقها كل ما في الفضاء من موسيقى لا تسمعها الآذان).
- 2 -
** (بعض الفنانين الذين لا يملكون الموهبة والصبر وعزة النفس يتزينون بأزياء غريبة.. تشبه بريق الشكل الذي يخفون خلفه عجزهم الفكري والروحي، لكن ما جدوى أن تضع القبعة في منتصف رأسك أو على أحد جانبيه إذا كان رأسك خاويًا، لكن القراء ليسوا أطفالاً تخدعهم وتسليهم.. وصهوة الحصان لا يستطيع أن يزينها حزام سرج الحمار، والحمار لا يناسبه سرج حصان جموح.
هنا الأمر سوف يكون كالفرق بين الذئب والحمل، وبين الفكرة الضعيفة والفكر النافذ المستمد من واقع فذ، لشدة بساطته لا يستطيع الأحمق أن يراه، كأني بمثل أولئك الفنانين في سباق جياد أصيلة.. لا يكون لهم فيه سوى سف غبار خيولنا.
مثل هذا الذي يحدث في الأدب والفن.. لا يحدث في سباق الخيل كثيرًا.. مع هذا يصح أن نقول إن الشكل كاللباس والإنسان وتناسبهما. أو -ربما-كالوجه وحامله إذا كان الإنسان جميلاً.. فلماذا لا تصبح أفكاره جميلة).
- 3 -
** كأني بالشعراء، في أحيان كثيرة، لا يخلقون فنًّا.. بل يشتركون في سباق، يسوطون فيه جيادهم حتى تدمى على أمل أن يطوقوا رقابهم بشارة الفوز لمدة خمس دقائق قبل أن يجري نزعها في اليوم نفسه.
بهجة النصر تلك لا تعادلها الجراح التي لن تُشفى فهم ينسون دائمًا أنهم يسوطون أنفسهم في سباق مجد (قصائد المنابر).. لأن القمة البعيدة تبدو قريبة، تكاد تمسك بها حين تنظر إليها من السفح.. لكن إذا بدأت الصعود بين الصخور القاسية فسوف تدرك أن سيرك سيكون دون نهاية.. وأنك سوف تكون مثل الطائر الذي يريد أن يتشبه بالنسور.. ومن المألوف أن يعيش في القرية مغفل واحد.. أما حين يكون هناك كثير من المغفلين يكون الأمر سيئًا.. وحين ينعدم المغفلون يكون هناك شيء ناقص.
- 4 -
** أحب أبي الحكمة التي ينشرها في القصة التي يرويها عند المساء.. يقص عليّ حكايات عن أولئك الذين سافروا بعيدًا في ديار الغربة، وأولئك الذين ظلوا في أرضهم صامدين.
يقص عليّ قصص الأشجار والأزهار التي يداعبها النحل، ويمص رحيقها، والفراشات التي تداعبها.
يتحدث عن التقاليد والعادات والأغاني التي يرددها المحاربون قبل بدء المعركة. وإذا سمع أبي الناس تتحدث عن مسافر فإنه سوف يخبرهم من هو، ولماذا يسافر، وفي أي بيت سوف يقضي ليلته.
كان أبي شاعرًا.. قصائده هي البيت والأسرة والأولاد والقرية والحصان والبلد والسلام والأرض والمطر والشمس والزرع والغيم والسماء.. كل قصائده ينظمها من الحب وعن الحب.. قصائده لا تشيد سوى قصور الحب فقط.
(كل هذا الذي تقدم منقول بتصرف عن الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف). للعلم والتوثيق فقط..!!