د.صالح العبدالواحد
ماذا لو كانت منظمة الصحة العالمية هي المسؤولة عن القضية الفلسطينية، أو حقوق الإنسان أو العفو الدولية؟
في الواقع فإن جميع فروع منظمة هيئة الأمم ومع الأسف الشديد ترتكب أخطاء قاتلة، ولكن الحظ السيء لمنظمة الصحة هو أنها تتحدث مع مجتمع طبي متماسك لا يمكنه التغافل أو السكوت عن أخطائها، حيث لا يُبنَى القرار العلمي الطبي على وجهات نظر أو آراء شخصية. فعلى النقيض من التحزبات السياسية، يبني المجتمع الطبي قراراته على أسس علمية ثابتة، لذلك فمن البدَهي إلا يقبل هذا المجتمع أي شيء مخالف لتلك الأسس، ويرفض جميع التصريحات المخالفة لتلك الأسس العلمية، مما يضطر مسؤولو المنظمة الصحية إلى الاعتذار الفوري.
بالرغم من أن الهدف من إنشاء منظمة الصحة العالمية هو صحة العالم، دون مجاملات أو ضغوط سياسية، إلا أن الدور السلبي للقرار السياسي والمجاملات الشخصية والمصروفات الباذخة بات واضحًا في عمل المنظمة، ونذكر بعض الأمثلة للتوضيح فقط.
وفقًا لوكالة أسوشيتد برس، تنفق منظمة الصحة العالمية سنويًا بشكل منتظم ما يزيد عن مائتي مليون دولار مقابل فواتير سفر الموظفين، هذا المبلغ يزيد عمّا تنفقه المنظمة لمعالجة مشكلات الصحة النفسية وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والسل والملاريا مجتمعين.
ومن المفيد أن نعرف أن الملاريا لوحدها تفتك بنحو مليوني شخص حول العالم سنويًا، وتعد رابع سبب في وفيات الأطفال دون سن الخامسة حول العالم.
أما من باب المجاملات الشخصية فقد تم تعيين رئيس إحدى الدول الإفريقية سفيرًا للنوايا «الحسنة» للمنظمة، رغم سمعة هذا الرئيس «السيئة» على جميع الأصعدة، مما اضطر رئيس المنظمة إلى إلغاء قراره بعد أن اعترضت جميع الدول المشاركة في المجلس التنفيذي على ذلك.
ومثال التدخل السياسي في عمل المنظمة هو عدم الموافقة على انضمام تايوان للمنظمة أو مشاركتها في اجتماعات المنظمة، حتى تلك المتعلقة بكورونا وذلك تحت ضغوط مباشرة من حكومة الصين.
وبعيدًا عن أي تحليل سياسي فإن اللافت للنظر هو نجاح تايوان المبهر في مكافحة الوباء دون أن تقوم بإجراءات الحظر الكلي، وبالتالي حافظ اقتصاد تايوان على مكانة أفضل مقارنة بالمجتمع العالمي. وسجلت تايوان أقل نسبة وفيات في العالم (لا يزيد على عشرة وفيات) مع أنها الدولة الوحيدة التي لا يوجد فيها مكتب لمنظمة الصحة العالمية.
يعزو التايوانيون الفضل في ذلك إلى الطبيب «تشين شين جين»، نائب رئيس تايوان، ومتخصص في علم الوبائيات، وقائد حملة مكافحة كورونا. حيث نفذت تايوان خطتها الوبائية دون أي اعتماد على منظمة الصحة العالمية.
ليس الغرض هو سرد مساوئ المنظمة، لا شك أن هناك الكثير من الأعمال الإيجابية التي تم تحقيقها. ولكن فكرة المقال تقتضي ذلك.
الحكمة الإنجليزية تقول: يصبح الجميع خبراء «بعد» الحدث -. ولكن التعامل مع الأوبئة له أسس ثابتة والنقد الموجه لمنظمة الصحة هو بسبب كون عملها محددًا ضمن أسس علمية ثابتة قدم التاريخ. في عام 1854 ضربت جائحة كوليرا أحد أحياء لندن، ولم يتمكن أحد من معالجة الوباء إلى أن وضع الدكتور جون سنو «خريطة وبائية» تبين من خلالها وجود علاقة تربط الوباء مع مصدر مياه ملوث. لم يتطلب القضاء على الوباء سوى تغيير يد مضخة المياه التي اشترك باستخدامها جميع المصابين، وكان ذلك كفيلاً بعلاج الوباء، لكن بعد أن توفي بسببه ما يزيد عن 600 شخص خلال مدة وجيزة. وضع الدكتور «جون سنو» بذلك أساس الطب الوبائي وأسّس كذلك مبادئ الإحصاء الطبي لعلاج «مصدر الوباء» كخطوة أولى للتمكن من القضاء عليه.
أما الحجر الصحي فقد تحدَّث عنه الدكتور غريغ كونسداين في مقال نشره في النيوزويك مؤخرًا، وأن الإرشادات التي تمنع الوباء قد أوصى بها رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام منذ 1400 عام، ومنها منع السفر من وإلى المناطق الموبوءة. ولعلاج الأوبئة فلا يمكن مخالفة الأسس القائمة منذ 1400 عام، ثم توصيات الدكتور سنو.
كل ما هو مطلوب من منظمة الصحة العالمية جمع المعلومات وتبادلها مع الخبرات العالمية ووضع خطط الوقاية من المرض.
أول خطأ للمنظمة كان الإعلان عن عدم إمكانية انتقال الفيروس بين البشر، رغم وجود كل ما يدل على ذلك من الخبرات المتراكمة من تاريخ العدوى بفصائل الفيروس السابقة (سارس وميرس)، ونتج عن هذا الإعلان آثار سلبية كبيرة، حيث أسهم التصريح في الانتشار المبدئي للوباء بشكل كبير. ومع البيان الذي ظهر لتصحيح المعلومة كان الوباء قد تمكن من المجتمع.
مع الأسف لم يصدر أي قرار صائب عن منظمة الصحة حتى هذه اللحظة، ففي الوقت الذي أعلنت فيه المنظمة عن كورونا جائحة عالمية في شهر مارس، كانت أغلب الدول قد بدأت الإجراءات الوقائية بنفسها وأوقفت حركة الطيران إلى الصين، ولم يكن لقرار المنظمة المتأخر أي فائدة عملية.
لم تتوقف هفوات المنظمة عند ذلك، فقد كان من المبكر جدًا بل ومن دون أي فائدة ورود تصريح من مصادر نافذة في المنظمة عن عدم ضرورة ارتداء الكمامات.
تبين اليوم أن أهم خطوة وقائية تمنع انتشار الوباء هي ارتداء الكمامة!
استمرت المنظمة في بث المعلومات التي تناقض أساسيات العلوم الطبية ونشر الاعتذار في اليوم التالي، وآخرها هو تصريح شخصية تنفيذية بشكل شفهي مباشر ولغة إنجليزية صحيحة وواضحة، بأن المرضى الذين لم تظهر عليهم أعراض المرض لا يشكلون خطورة في نقل العدوى!
وكان الاعتذار عن هذا التصريح الشفهي الواضح والجلي بأنه قد فُهِم خطأ!.
في مقابل هفوات منظمة الصحة العالمية هناك عدة منظمات تابعة لهيئة الأمم المتحدة تقوم بنفس الأخطاء القاتلة التي تقوم بها منظمة الصحة العالمية، وخصوصًا فيما يصدر مع الأسف الشديد من سموم ضد المملكة العربية السعودية.
المملكة العربية السعودية لم تقف مكتوفة الأيدي أمام تلك السموم حيث عاش الأمير سعود الفيصل -رحمه الله-، حياته يكافح تلك الادعاءات المغلوطة، ولا يزال معالي الوزير عادل الجبير يرد بكل هدوء على وقاحة الإعلام الغربي الذي يقوم بتوجيه الأسئلة الاستفزازية دون أي تحقق، ويتولى معالي الأمير فيصل بن فرحان الآن وبجميع اللغات تفنيد تلك السموم وعلاجها بجميع أنواع المضادات.
أصبحت القرارات التي تصدر من هذه المنظمات، خاصة تلك التي تصدر ضد بلادنا، مصدر تندّر عالمي، ففي الوقت الذي ينظر العالم المنصف إلى دور المملكة الإيجابي في تنمية وإعمار اليمن على سبيل المثال عبر إنشاء عدة برامج تنموية يقودها رجال أكفاء، نجد أن منظمة الأمم ومنظمة الصحة وغيرها تلقي اللوم على المملكة في مشكلات اليمن الصحية والغذائية، ولا تذكر ما يقوم به الحوثي ومصدر الخراب الدولي «إيران» في الدمار والخراب.
في الوقت الذي أنشأت المملكة العربية السعودية «مركز الملك سلمان» للإغاثة بقيادة الدكتور عبدالله الربيعة (والذي يعمل ضمن خططه المتعددة على تنمية اليمن) وكذلك البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن بقيادة السفير محمد آل جابر، نجد أن السفن الإيرانية لا تحمل إلا الذخيرة والقنابل للحوثي والدمار الشامل لليمن الشقيق.
بعد ذلك وبكل أسف نسمع تصريحًا (مشابهًا لتصريح الكمامة) من هيئة أحد الأشخاص في الأمم المتحدة يتهم فيه المملكة بالآثار السلبية للحرب اليمنية.
كانت القيادة السعودية وما زالت تمسك بشعرة معاوية مع المنظمة وفروعها، حيث تؤمن المملكة بمبادئ المنظمة التي شاركت في تأسيسها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبالدور الذي يجب أن تقوم به، ولكنها تعترض على المخالفات التي يتم ارتكابها من قبل بعض العاملين بها.
لقد كان قرار اعتذار المملكة العربية السعودية عن قبول العضوية في مجلس الأمن الدولي عام 2013 بسبب «ازدواجية المعايير» التي تتخذها المنظمة، وفشلها في حل القضايا العالقة الكثيرة، رسالة قوية واضحة للمجتمع الدولي وكافة فروع المنظمة، أن المملكة لا تقبل تلك الازدواجية في المنظمات السياسية والصحية على السواء وتحافظ المملكة على «شعرة معاوية» مع تلك المنظمات من أجل الهدف الذي أسهمت المملكة بوضعه عندما تم إنشاء تلك المنظمات منذ تأسيسها.