عمر إبراهيم الرشيد
يقول ليون فيرنيل البروفيسور في جامعة هارفرد في كتابه (إفريقيا واكتشاف أمريكا): «إن كريستوفر كولومبوس كان واعيًا الوعي الكامل بالوجود الإسلامي في أمريكا قبل مجيئه إليها». بالطبع فإن هذه المقولة صادمة للسواد الأعظم من البشر الذين ترسخت لديهم نظرية اكتشاف البحار الإيطالي كولومبوس للعالم الجديد (أمريكا) في العام 1492م، ولعلها ليست مصادفة أنه نفس العام الذي سلم فيه أبوعبدالله الصغير مفاتيح غرناطة إلى (فرناندو) و(ايزابيلا) ملك وملكة قشتالة، لينتهي بذلك الوجود العربي الإسلامي في الأندلس بعد ثمانية قرون أخرجت أوروبا من ظلامها وتخلفها.
ولا شك أن التاريخ لا يخضع للعواطف بيد أنه عرضة للتزييف والحذف والإخفاء، ولست من أهل الاختصاص حتى أقدم إجابة قاطعة في هذه القضية، ولكن مقولة إن التاريخ يكتبه المنتصرون لها اعتبارها.
يقول الباحث جهاد الترباني في كتابه (مئة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ): «السر الخطير الذي ظل طي الكتمان في الأرشيف الإسباني والبرتغالي لمئات السنين هو أن الهنود الحمر كانوا شعبًا مسلمًا وتمت إبادتهم بدافع صليبي». ثم أورد مستعرضًا إشارات ودلائل عدة على وصول مسلمي الأندلس إلى أمريكا ونشر الإسلام واللغة العربية هناك، منها ما ذكره الشريف الإدريسي المؤرخ والجغرافي المعروف (1099 - 1180م) عن قصة شباب مغامرين انطلقوا بسفنهم من لشبونة عاصمة البرتغال التي كانت تحت حكم المسلمين آنذاك، وعبروا بحر الظلمات (المحيط الأطلسي) وحين عاد بعضهم من رحلتهم تلك ذكروا أنهم وصلوا إلى أرض يتكلم أهلها العربية، وقد وثق المؤرخ الجغرافي كراتشوفسكي هذه القصة عام 1952 في جامعة وايتووتر البرازيلية وذكر أنهم أبناء عمومة. ثم ما أورده المؤرخ الإسلامي شهاب الدين العمري في كتابه (مسالك الأبصار وممالك الأمصار) بأن سلطان إمبراطورية مالي (منسا موسى) -رحمه الله- وعند قدومه للحج عام 1327م أخبر المؤرخ بأن سلفه بنى مئتي سفينة وعبر المحيط الأطلسي إلى الضفة الأخرى ولم يعد!، وبذلك تسلم هو الملك. كريستوفر كولومبوس نفسه كتب في مذكراته: «إن الهنود الحمر يلبسون لباسًا قطنيًا شبيهًا بلباس النساء الغرناطيات المسلمات» وذكر أنه وجد مسجدًا في كوبا، كما أن أول وثيقة هدنة بين كولومبوس والهنود الحمر كانت موقعة من طرف رجل مسلم، والوثيقة موجودة في متحف تاريخ أمريكا موقعة بأحرف عربية من رجل من الهنود الحمر اسمه محمد!.
وفي عام 2000 عثرت دوقة مدينة سيدونسا وبالمصادفة حين كانت ترمم قصرها في مدينة باراميدا على وثائق إسلامية مكتوبة بالعربية وتعود إلى العصر الأندلسي، وفيها وصف كامل لأمريكا والمسلمين فيها قبل كولومبوس، وقد خبأها أجدادها الذين حكموا إسبانيا وكانوا قادة في الجيش والبحرية الإسبانية، ولما خافت على تلك الوثائق أن يتلفها من يعثر عليها بعد موتها قامت بنشرها عام 2008م في كتاب بعنوان (إفريقيا مقابل أمريكا) وفيه تفاصيل الوجود الإسلامي القديم في أمريكا. وماذا عن النقوش التي عثر عليها في سان خوان عاصمة بورتوريكو مثل عبارة (لا غالب إلا الله) التي كانت شعار إمارة الأغالبة في الأندلس، ونقوش لآيات قرآنية في كنائس في باهيا بالبرازيل والسلفادور فهل كانت تلك الكنائس مساجد للهنود الحمر في الأساس؟. وغيرها من الدلائل استعرضها الباحث في كتابه ذاك لا يتسع المقام لنشرها كلها، إنما هو بحث لافت وله اعتباره نظير ما قدم من كتابات ووثائق غربية حتى لا يظن البعض أن المسألة تحيز أو عاطفة فهذه شهادتهم على أنفسهم، إضافة إلى شهادات مؤرخين ورحالة مسلمين. وليت علماءنا ومؤرخينا السعوديين والعرب يقدمون لنا إجابات شافية، إلى اللقاء.