تخالفَ الناسُ إلا في مودتهِ
كأنما بينهم في ودّهِ رَحِمُ
تلقيتُ صباح يوم الجمعة الأول من شهر رمضان المبارك عام 1441هـ خبر وفاة الأخ الكريم العزيز الغالي ابن العم وخال الأولاد وشقيق زوجتي ورفيقة العمر أم عبدالعزيز رحمها الله في الدمام، وإن من أصعب المواقف في الحياة الفجيعة بفقد حبيب، حيث كان لذلك النبأ الموجع جداً حزناً في نفسي وفي نفوس جميع أسرته ومحبيه.
يا غائبًا في الثرى تبلى محاسنهُ
الله يوليكَ غُفراناً وإحسانا
لقد غاب غياباً مفاجئاً، ولا زال يسكن القلوب بعدما فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها بعدما استوفى نصيبه من الدنيا؛ تاركاً أثراً طيباً وذكراً حسناً وذرية صالحة تدعو له وتُحيي ذكره، وإن غيابه المفاجئ والعاجل له وقع مؤلم رحمه الله رحمةً واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين (وما ذلك على الله بعزيز).
وكيفَ تلذُ بطيبِ العيشِ نفسٌ
غدتْ أترابُها تحتَ التُرابِ
وُصلّي عليه ظهر ذلك اليوم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُضيء جدثه لحين قيامه ليوم الحساب إلى دار النعيم المقيم بإذن الله وفضله ورحمته (اللهم هذا قدرك نرضى به ونحمدك عليه).
ولد رحمه الله عام 1377هـ بمدينة الدمام، وكان والده حفظه الله يعمل بمحكمة الدمام، وعاش في كنف والدين كريمين عُرفا بالدين القويم، والخُلقِ الحسن المستقيم، والسمعة الطيبة، والكرم، والمرؤة، والشهامة، والعلم، والفضل وحُسن السمت، ومآثرهم، وتاريخهم يشهد على ذلك، (وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) وقد تخرج من الثانوية عام 1396هـ، وكانت علاقاتنا علاقة إخوة مع بعض الزملاء وأبناء العمومة، وبعد التخرج التحقنا بجامعة الرياض (جامعة الملك سعود حالياً) بالرياض، وكُنا في عز الشباب وحيوية العمر مع الزملاء والأصدقاء في ذلك الزمن الجميل، (وهل هناك أجمل من أيام الدراسة وزملائها) وزادت أواصر العلاقة بيننا بمعية كوكبة من الزملاء والأصدقاء الرائعين ومن أهل بلدة الشقة الساكنين بالرياض مدة من أروع سنين العمر في حياة تغمرها الأخلاق، والاحترام، والتناغم، والتعاون، والإيثار، والتواصل فيما بيننا، واستمرت هذه العلاقة ولله الحمد بيننا طيبة محتفظة بحميميتها وألفتها عبر الزمن، على الرغم من طول المدة وعوارض الحياة ومفاجآتها وتقلباتها وتباعد مسافات الأماكن.
ولكم على الذكرى بقلبي عَبرةٌ
والذكرياتُ صدى السنينِ الحاكي
كان رحمه الله ذو شخصية ودودة، وأخلاق عالية، وسلوك نبيل، وخصال كريمة، وصدق في المشاعر، وحضور بشوش، وروح عالية مفعمة بالحب، والتفاؤل، مع عفة في اللسان، ورجاحة في العقل، وحنان جم، صاحب دعابات ومساجلات، وطرائف، ومقالب مفعمة بالبهجة والمرح والمزاح.
أخو العلم حيٌ خالدٌ بعد موتهِ
وأوصاله تحتَ التُرابِ رميمُ
بعد تخرجه من الجامعة؛ عمل في إدارة تعليم البنات في المنطقة الشرقية، وتقاعد رحمه الله وهو في أعلى المراتب.
حميدة أيامه ولياليه، وعُرف عنه في عمله أنه ذو شخصية جادة، ومحبوبة، مذكور بكل خير كما كان جاداً، ومجتهداً، ومثابراً، ومخلصاً في عمله، موفقاً، حازماً، متعدد المواهب والإمكانيات الذهنية والمنهجية. إن من مآثره التي عُرف بها حتى اقترنت بذاته أنه كان محافظًا على الصلوات ويكثر من الحج والعمرة وبارًا بوالديه، متابعًا تربية أولاده جعلهم الله ذخرًا له بالدعاء وهم إن شاء الله فاعلون، تميز رحمه الله بالعلاقات الحسنة المتعددة بجميع أنحاء المملكة كما ظهر ذلك بكثرة المتصلين للعزاء من جميع مناطق المملكة جزاهم الله خير الجزاء ولا أراهم مكروها.
ما عاشَ من عاشَ مذموماً خصائِلُهُ
ولم يَمُت من يكن بالخيرِ مَذكورا
عاش رحمه الله بهدوء ورحل بهدوء، يحترمه الكثيرون من الإخوة، والأهل، والأبناء، والأصدقاء، والمحبين، والمعارف، والزملاء، وقد يموت الإنسان وذكره الحسن حي فهو يذكر بالخير ويترحم عليه ويدعى له.
(وهي صفة أبا محمد رحمه الله) وسيبقى رحمه الله حاضراً بالقلوب وأثره ومآثره الطيبة، وما هذه السطور سوى أحاسيس ومشاعر أبتْ إلا أن ترى النور، وحروف تختلج بالنفس وتعبر عن بعض ما في الضمير من مودة وحب وتقدير لشخصه.
إذا قضى اللهُ فاستسلمْ لقُدرتِهِ
ما لامرئٍ حيلةٌ في ما قضى اللهُ
اللهم اغفر (لأبا محمد) وارحمه، وافسح له في قبره ونوّر له فيه، وارحمه يا رب العالمين، واخلف على أهله خيرا، وأحسن عزاء والديه، وزوجته وأولاده، وإخوانه، وأخواته، واجعلهم ذخراً له بالدعاء، واجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة.
أودعتك اليوم رباً لا تضيعُ لنا
ودائعٌ عندهُ بالسرِ والعلنِ
يا نفسُ صبراً على ما كانَ واحتسبي
فإن ذو العرشِ ذو جودٍ وذو مِننِ
وإن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقولُ إلا ما يُرضي ربنا، وإنا على فراقك يا (أبا محمد) لمحزونون، وصلّى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
** **
- إبراهيم بن صالح المحمد القصيّر