منذُ أن أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس يوم الأربعاء الموافق11 مارس 2020 أن المنظمة التابعة للأمم المتحدة باتت تعد فيروس كورونا المستجدّ المسبّب لمرض «كوفيد - 19» الذي يتفشّى في مختلف أرجاء المعمورة «وباء عالميا»، وأنا أتابع النشر الإعلامي الكشفي على مختلف وسائل التواصل بالإقليم الكشفي العربي، ومن ذاك الحين وحتى الآن وجدت تفاوتًا في فهم الإعلام الكشفي خلال الأزمات بين جمعية عربية وأخرى، فجمعية تعاملت معه كأي أمر آخر أخبار وتقارير فقط، وجمعية مارست دور حب الظهور، وجمعية لم تبال بالأمر، وأخرى تكاد تصل إلى مستوى الاحترافية، ولأن الإعلام يعد أحد أهم الوسائل في نشر الحقائق أثناء الأزمات، وله دور فاعل في تحديد اتجاه البوصلة بدقة للرأي العام، ومنها العمل الكشفي، الذي هو جزء من مؤسسات القطاع الثالث، بل هو أكبرها من حيث عدد الأعضاء، ومن حيث التاريخ، وهو ما يدعو إلى إيجاد فريق إعلامي كشفي متخصص خلال أي أزمة أو كارثة يمكن أن تكون الكشفية جزءًا منها أو تخصها مباشرة، وخصوصًا أن الحركة الكشفية من اهتماماتها المعروفة المشاركة المجتمعية، فضلاً عن طمأنة منسوبيها وأهاليهم حال حدوث ما يدعو إلى القلق والفزع سواء كان الحدث حقيقيًا أو مزيفًا أو مبالغًا فيه، فقد حرصت هنا على أن أكتب ما يمكن أن يؤطر للإعلام الكشفي أثناء الأزمات والكوارث ليكون مُرشدًا للقائد الكشفي خلال أي مناسبة كشفية، أو وقوع أزمة معينة، لتسهل عملية التخطيط ومن ثم العمل على مواجهتها، باعتبار الإعلام والاتصال الكشفي في أي جمعية كشفية جزءًا من منظومة متجانسة ومتكاملة لا يعمل أحد بمعزل عن الآخر فالهدف واحد والرؤية والرسالة واحدة، وبالتالي فإن الإعلام الكشفي في الأزمات والكوارث لن يحقق مبتغاه من دون العمل وفق تلك المنظومة، والعمل في سيناريو واحد مع مختلف الإدارات بالجمعية بدءًا بالتدريب وانتهاء بالتخطيط والتنفيذ والمتابعة حال وقوع أزمة، ومن هنا فإن علينا بدءًا أن نتعرف على عناصر خطة الإعلام الكشفي في الأزمات والكوارث، وعلينا أن نتعرف على مجموعة الاعتبارات والحقائق التي تتعلق بعملية التخطيط لأي أزمة أو كارثة ومن أهمها تحديد الأزمات المحتملة وأبعادها، وتحديد أهداف الخطة الإعلامية، وتحديد الجمهور المستهدف، وتحديد الإمكانات المادية والبشرية، وإعداد الرسالة الإعلامية، لتحقيق وإحداث التأثير المطلوب فالمتلقي (وفق الاهتمام).
ولكي تنجح الرسالة الإعلامية الكشفية في الأزمات والكوارث يجب أن يهتم مسؤولو الإعلام الكشفي بالبعد عن تناقض المعلومات، وتحجيم اتساع دائرة الشائعات وتزييف الحقائق خاصة في المخيمات والمعسكرات والمؤتمرات والتجمعات الكبيرة، وضرورة أن يكون المركز الإعلامي الكشفي في المناسبة مُكتمل الإمكانات (مصممين، مصورين، مونتاج.. الخ) ومن الأهمية بمكان أن يتم التركيز على جميع جوانب الأزمة، والابتعاد عن القرارات المتسرعة وغير المدروسة خاصة في المؤتمرات الصحفية التي تعقد على هامش الأزمة، واختيار الشخصية الكشفية القيادية الكفء لتكون متحدثًا رسميًا للمناسبة الكشفية القادرة على: إشباع احتياجات الجمهور المستهدف بصدق ودقة وموضوعية، والمتمكنة على إبراز الجوانب الإنسانية، والحريصة على توافر المواد المادية المعينة، والمُلمة بسياسة الحماية من الأذى.
إن الإعلام والاتصال الكشفي هو أحد أركان ودعائم أي جمعية كشفية وطنية، وفي الأزمات والكوارث تحرص الجمعيات ألا يخضع العمل للتجربة وحصول الخطأ، وبالتالي فقد عملت بعض الجمعيات على إدراج القيادات الكشفية بالمشاركة في البرامج المتخصصة في الأزمات والكوارث، لكي تحصل على قيادات كشفية إعلامية تبادر بنقل الحدث من موقعه بالعمق والشمول الذي يساعد على فهم أبعاد الأزمة وتطوراتها وآثارها المختلفة، وتجيد فنون الاتصال الإعلامي من تقارير وتحليلات وتعليقات عن الأزمة وتطوراتها، وتدرك أهمية المادة الوثائقية المصاحبة للتغطية الإعلامية بما يفسر أسباب الأزمة وأبعادها وتحديد كيفية التعامل معها، وتجيد عرض الحقائق ورفض مبدأ حجب المعلومات، وكذلك جذب انتباه المتلقي باستحداث طرق وأساليب التناول الإعلامي.
إن أي مناسبة كشفية يجب أن يكون لها مركز إعلامي يمتلك الخبرة الإعلامية عملاً لا قولاً، ويتطلب أن يكون المركز الإعلامي الكشفي أثناء الأزمات مكتمل التجهيزات، ويضم أبرز القيادات الكشفية الإعلامية ذات الخبرة الواسعة، وذات العلاقات مع وسائل الإعلام المختلفة حيث يمثل التعامل معها ركنًا مهمًا في خطة مواجهة الأزمات الذي يكون المركز مسؤولاً عن تنفيذها.
وهناك بعض الاعتبارات التي يجب مراعاتها إعلاميًا أثناء الأزمات والكوارث ومن أهمها التشاور مع القيادة العامة للمناسبة الكشفية قبل أي تصريح، وحفظ جميع ما ينشر في الصحف وتسجيل جميع ما يذاع ويبث أثناء الأزمة، وتسمية المتحدث الكشفي الرسمي الذي سيقوم بمقابلة ممثلي وسائل الإعلام.
وهنا لا بد أن يعرف كل إعلامي كشفي أن مهمة المتحدث الرسمي الكشفي تنحصر في مهمة أساسية هي نقل وجهة نظر الجمعية الكشفية إلى الجمهور من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وتحكم العلاقة بين المتحدث الرسمي وأجهزة الإعلام ضوابط محددة من أهمها: إن وسائل الإعلام تريد أن تعرف ما حدث، وماذا ستفعل الأجهزة المعنية بالمنظمة أو الهيئة الكشفية لمواجهة الأزمة وهي أسئلة تستوجب الدقة والحذر وإلمام المتحدث الكشفي الرسمي بالحقائق التفصيلية مع مراعاة أن التصريحات الرسمية ذات الطبيعة الفنية أو القانونية لا بد من تحريرها بشكل دقيق ومحدد، وأن تكون للمتحدث الرسمي القدرة على التعامل بموضوعية وعدم الانفعال مع وسائل الإعلام التي تذيع أو تنشر أخبارًا أو تقارير غير صحيحة أو غير مكتملة في معلوماتها، وأن يكون التوجه الإيجابي في مثل هذه الحالات هو نشر الحقائق الصحيحة والكاملة.
ونسوق هنا بعض الإرشادات التي تساعد المتحدث الرسمي في أداء واجباته بفعالية: تحدث بضمير الجماعة (نحن) كلما كان ذلك ممكنًا، وتأكَّد من أن حديثك مسجل، وضع كل الحقائق أولاً، ولا تجادل صحفيًا، ولا تفقد هدوءك، وأجب مباشرة على الأسئلة المباشرة، وإذا كنت لا تعرف الإجابة.. قل لا أعرف.. وسأعمل على الحصول عليها، وأخيرًا قل الحقيقة ولو كانت مؤلمة.
وهناك حقيقة لا بد أن يعرفها مسؤول الإعلام الكشفي أثناء الأزمة، وهي أن الكشافة ليست مسؤولة عن كل أزمة تحدث على وجه الأرض، وقد تكون مسؤولة مسؤولية غير مباشرة، وهنا يجب أن تسهم الكشفية إعلاميًا بما يمليه عليها الواجب المجتمعي كالتوعية والإرشاد، وفي الأزمة الخاصة بالكشفية كلما استطعت إعلاميًا إدارتها بعيدًا عن الأضواء وفق الخطط البديلة فذلك هو العلاج الناجع لها، ومن الأهمية بمكان الحرص على الحالة النفسية للأعضاء المشاركين في المناسبة الكشفية (المراحل) وهو أمر مهم في الغاية، كما أن النقل الإعلامي بالطرق الجاذبة أمر في غاية الأهمية، والاعتماد على مقاطع الفيديو والجرافيك «الإيجابي» هو سيد المرحلة، ولا يعيب العمل تغيير الفريق الإعلامي أو المتحدث الرسمي حال الأزمة لعدم كفاءته، بل العيب الاستمرار في الخطأ، كما أن الاهتمام بالجانب المعنوي أمر في غاية الأهمية، قد يصاب الفريق الكشفي في أي لحظة بالإحباط لأي ظرف كان، وللإعلام الكشفي دور في رفع الروح المعنوية مجددًا.
** **
- رئيس اللجنة الكشفية العربية الفرعية للإعلام والاتصال