د. محمد عبدالله الخازم
يسعد المعلم برؤية طلابه يخدمون مجتمعهم بتفانٍ وتميز، وعلى الرغم من أنني لست معلمًا إلى أنه غامرني الشعور عند رؤية الممارسين الصحيين يبلون بلاءً حسنًا خلال جائحة كوفيد - 19. كنت مساهمًا متواضعًا مع الزملاء في تأسيس كليتين للعلوم الطبية في جامعتين من جامعاتنا وأسهمنا في بدء برامج صحية مهمة، بعضها لأول مرة في المملكة بمستواها. من ضمنها وما بدأ أهميته القصوى خلال الجائحة برنامج العلاج التنفسي وقد كان عدد الفنيين السعوديين في المجال يعدون على الأصابع ممن ابتعثوا أو تخصصوا على المستوى الفني. خلال جائحة كورونا نرى السعوديين في هذا المجال في الخطوط الأمامية في أقسام العناية المركزة وفي التعامل مع أجهزة التنفس الصناعي وغيرها من المهام. وذلك بجانب التخصصات الطبية والتمريض وغيرها. مثال ثانٍ لتلك البرامج، برنامج الإسعاف والطوارئ، ويبذل العاملون فيه جهودًا عظيمة خلال الوباء الراهن بشكل يستحق التقدير كذلك. هذان البرنامجان وبقية برامج العلوم الطبية أتذكر بدايات أغلبها وأسعد بالنمو الذي تحققه، بفضل دعمها والتدريب والابتعاث فيها.
بجانب عملي في كليتي علوم طبية، التجربة الثالثة التي أسهمت فيها بفاعلية كانت في إشرافي على برامج الابتعاث الطبي والصحي في ملحقيات كندا ثم أمريكا، تباعًا. عندما يعود الأطباء والممرضون وأطباء الأسنان والصيادلة والمتخصصون في العلوم الصحية الأخرى، المؤهلون بالعلم والكفاءة وتجدهم في الصفوف الأمامية لتقديم مهامهم المهنية والإنسانية تشكر الله بأن التدريب والابتعاث للأطباء والكوادر الصحية الأخرى كان له جدواه وثمره المبهج. التعب في تأسيس أو بدء أو تعليم أو دعم برامج صحية محليًا أو خارجيًا يتلاشى عندما تراهم يسهمون في حماية المواطن والمقيم من هذا الوباء القاتل وغيره من الأمراض. مع التقدير بالتأكيد لكافة الكوادر في كافة المجالات.
كنت استشعر من خلال العمل في هذا المجال العائد الإنساني لي كشخص ولأهلي والمجتمع بصفة عامة. عندما تمرض أنت أو ابنتك أو والديك أو زوجتك أو من تحبهم، تذكر حاجتك لكوادر صحية متميزة، وقد يكون ذاك الممرض أو الطبيب أو الفني الذي أسهمت في تدريبه هو من يعتني بهم. وأكرر ما قلته في لقاءات عديدة، بالذات لمن يجادلني بعقلية التاجر والعقاري البخيل، أي مبلغ يصرف على المبتعث الطبيب لا يعني الكثير أمام ما سيقدمه من عائد لنا ولأهله ولوطنه. كنا نرسل مرضانا إلى الدول العربية والصديقة لأجل علاج حالات عادية والآن يأتي رؤساء دول يبحثون عن علاج في المملكة، وذلك بفضل استثمارنا في ابتعاث وتدريب كوادرنا الطبية التي عادت وتعود لتقديم الخدمة المتميزة ولتدرب أجيال أخرى داخل المملكة.
تجاوز طبيب بالبقاء في الخارج أو عدم نجاح فرد لا يبرر الحقد على كامل فكرة الابتعاث والتدريب الطبي، إلا لمن تشغله الصغائر عن رؤية الصورة الأكبر. لعل أحد دروس كورونا، هي ضرورة الاستمرار في دعم وتسهيل ابتعاث وتدريب أبنائنا في التخصصات الطبية وغيرها من التخصصات التي يحتاجها البلد. هم المستقبل للوطن، يبنونه بالعلم والعمل والمعرفة وعندما تحين الشدائد هم عتادنا في الصفوف الأمامية.