محمد سليمان العنقري
لم يكن كورونا هو الوباء الوحيد الذي اجتاح العالم؛ فكمّ الأخبار والبيانات والقراءات كان مهولاً، وظهر معها الكثير من المغالطات ونشر معلومات خاطئة عن الوباء نتيجة اجتهادات غير موفقة، غالبها من أفراد. فمواقع التواصل لا تحكمها ضوابط مهنية للنشر؛ لذلك هي تعج بكمّ هائل من المعلومات التي قليل منها يُعرف مصدره؛ وهو ما ألحق أضرارًا بجهود الدول لمواجهة هذه الجائحة. فهذه المشكلة عالمية، ولا تقتصر على دولة أو مجتمع بعينه؛ فالنشر أصبح سهلاً، ولا توجد ضوابط تحكمه بمواقع التواصل الاجتماعي؛ وهو ما يؤدي لنتائج معاكسة لما تسعى له الحكومات من تقديم المعلومات الدقيقة عن أي حدث يمس سكان دولهم.
وقد تكون جائحة كورونا مثالاً واضحًا لوباء المعلومات الذي أغرقت به البشرية، إما من مواقع غير مرخصة، أو معرفات لحسابات وهمية، وحتى من كوادر صحية، لكنها غير متخصصة بعلم الأوبئة والأمراض المعدية. وقد تكون هذه المعلومات غير الموثوقة سببًا بتفاقم حالات لمرضى اتبعوا تعليمات غير صحيحة، أو قدمت أيضًا معلومات خاطئة عن الوباء، تسببت بإهمال ممن اتبعوها؛ وهو ما أدى لإصابتهم بالمرض. لكن قصة كورونا ليست كل الحكاية؛ فوباء المعلومات بات في كل مجال وتخصص، سواء بالسياسة أو الرياضة أو عالم المال والأعمال.. وهناك تكلفة وثمن تتسبب به المعلومات المضللة حسب التخصص، ومدى تأثير هذه المعلومات على قرارات الناس، وردات فعلهم. فالخسائر قد تكون مادية أو معنوية، وتبعاتها سلبية، وقد تمتد لفترات طويلة حتى يتم احتواؤها، بل إن الخسائر أو الآثار الضارة تنال من جهود الحكومات والأجهزة الرسمية بالدول؛ وهو ما يضطرها لمضاعفة الجهود والتكاليف للتغلب على التضليل الذي ينتشر بسبب عدم تقدير مَن ينشرون هذه المعلومات لعواقبها الوخيمة.
فمن المعروف أن الأوبئة على مَرّ التاريخ يترافق معها شيوع نظرية المؤامرة؛ وهو ما يعني أن كثيرًا من التحليلات التي تقدَّم ضمن هذا السباق قد تعطي انطباعًا لدى البعض بأن ذلك حدث مدبر، وأنه مع الاعتقاد أنها مؤامرة فهو سيرى أنه بمأمن من انتقال العدوى له كونها صراعًا بين قوى عالمية؛ وهو ما يشعره بأنه يشاهد فيلمًا سينمائيًّا، وليس واقعًا، ويؤدي للاستخفاف بالتحذيرات التي تطلقها الجهات الرسمية لحماية الناس من العدوى، وهو أيضًا يحدث عند تقديم معلومات عن دعايات للدخول باستثمارات لا يوجد أي دليل على نظاميتها، وتكون وهمية، ويتعرض البعض لخسائر كبيرة. ورغم صدور تحذيرات رسمية لمنع الدخول فيها إلا أن الكم الهائل من الدعاية عبر وسائل التواصل بطرق غير نظامية يسهل من الوصول لمن يقعون ضحية لعمليات النصب. هذا بخلاف الاجتهادات بتحليلات مالية أو إدارية أو اقتصادية، لا يمكن التأكد من مدى صحتها ولا دقتها؛ وهو ما يتسبب أيضًا بنشر الجهل بمجال حيوي، يؤثر على قرارات الناس بحياتهم العملية وتوجهاتهم الاستثمارية.
تأثير المعلومات غير الموثوقة التي باتت كالوباء أصبح خطيرًا جدًّا، ولا بد من توعية المجتمعات بالطرق التي يمكن لهم التأكد من صحتها، وصحة أي معلومة، وتعريفهم بمصادر الخبر الموثوقة ودرجاتها.. وهذا يتطلب عملاً كبيرًا، تقوم به الدول لتطوير الأنظمة والتشريعات الخاصة بالنشر عبر مواقع التواصل، إضافة إلى تطوير الوسائل والمنصات الإعلامية المرخصة التي تتبع المعايير المهنية وإلا فإن الاستنزاف المالي والاقتصادي سيتوسع بسبب هذه المعلومات المضللة. ففي هذه الجائحة تسببت المعلومات المضللة في أضرار بالغة على صحة الكثيرين، وأنفق العالم حتى اللحظة عشرة تريليونات دولار. فكم كان لوباء المعلومات من تأثير برفع تكلفة فاتورة مواجهة هذه الجائحة؟