د. أحمد الفراج
يتميز الإعلام الأمريكي بأن له قدرة فائقة على الحشد الإيجابي وعلى الشيطنة، ولا أظن إعلاماً آخر يستطيع أن ينافس الإعلام الأمريكي في هذا الشأن، فهذا الإعلام هو الذي تولى كبر التسويق لباراك أوباما، وصنع منه رمزاً لا مثيل له، ثم استمر دلال الإعلام له، بعد فوزه بالرئاسة، إذ تجد معظم منصات الإعلام صعوبة في نقده، حتى عندما يخطئ، مثلما حدث عندما رسم خطوطه الحمراء لبشار الأسد، ثم تراجع في اللحظة الأخيرة، وسيتوقف المؤرِّخون طويلاً عند هذه العلاقة الحميمية بين أوباما والإعلام، وعلى العكس تماماً، يلاقي ترمب حرباً شرسة وشعواء غير مسبوقة من الإعلام الأمريكي، اليساري في معظمه، وهذا ما جعله يتواصل مع قاعدته الشعبية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي (حسابه الشخصي على تويتر واليوتيوب)، وهي الإستراتيجية التي جعلت الإعلام الكاذب، كما يسميه، يفقد صوابه، ويواصل الانحياز ضده، لدرجة يصعب معها أن تجد أي معلومة إيجابية عنه.
وهنا لا بد من أمثلة توضح هذا الانحياز بأجلى صورة، فقد أصدر ترمب، بعد أشهر من توليه الرئاسة، أمراً تنفيذياً يمنع دخول مواطني سبع دول لأمريكا، فشنّ الإعلام حملة ضخمة، وقال إن هذا الأمر موجّه ضد المسلمين، مع أنّ الواقع يقول إنّ هذا الأمر يخص دولاً وضعتها إدارة سلفه، باراك أوباما، على لائحة الدول التي تصدر الإرهاب، ما يعني - بتحليل موضوعي - أن ترمب فعّل قراراً صدر من إدارة أوباما، وليس هذا وحسب، فالإعلام أوهم المتابعين أن أمر ترمب له صفة الديمومة، والصواب هو أنه كان أمراً مؤقتاً، ولمدة ثلاثة أشهر فقط، أي حتى تصدر إجراءات جديدة تحد من منح التأشيرات لكل من له صلة بالإرهاب، والطريف هو أن أوباما سبق ترمب بإصدار أمر تنفيذي، يمنع دخول مواطني العراق لأمريكا لمدة ستة أشهر، ولم ينبس الإعلام حينها بكلمة واحدة ضد الحليف أوباما، وهذا فقط مثال واحد، يثبت بجلاء انحياز الإعلام بشكل صارخ، والانحياز بهذا الشكل أمر مستجد، بدأ مع فوز ترمب بالرئاسة، وسيستمر حتى يغادر البيت الأبيض.