حمّاد السالمي
* يرى لغويون؛ عربًا وأدباء قدماء؛ أن اليمن سميت بهذا الاسم؛ لوقوعها يمين الكعبة المشرفة، أو نسبة إلى شخص اسمه (قحطان أبو اليمن). ويربط بعضهم بين اسم (اليَمَن) و(اليُمْن) الذي هو من الإقبال والبركة عكس الشؤم، وسعة العيش والرفاهية والقوة والخير الكثير. على أن واقع اليمن لا اليوم ولا الأمس يدل على شيء من هذا.
* حسنًا.. ففي مقالي المنشور هنا يوم الأحد الفارط بعنوان: (اليمن.. انقسام وانفصام إلى متى)؛ عرضت إلى المؤتمر السادس للجهات المانحة لليمن، الذي رعته ونظمته المملكة العربية السعودية بالرياض قبل عدة أيام، وجُمعت من خلاله أموال جديدة لدعم اليمن واقتصاده. ومؤتمر المنح هذا يعقد بشكل دوري كل عام، وتجمع فيه مليارات الدولارات لدعم اقتصاد اليمن. ثم تكلمت على الحالة الاقتصادية التاريخية الملازمة لليمن عبر تاريخه الطويل، والتي لم يطرأ عليها أي تغيير، رغم كل المنح والهبات والعطايا والدعم من جيران اليمن وأصدقائه. إثر ذلك؛ توصلت بتعليقات مفيدة حول هذه الإشكالية، وهاتفني صديق يمني مثقف؛ مستذكرًا معي تفاصيل دقيقة ليس هنا مجال لذكرها، ومنها أن برنامج المانحين لدعم اليمن الذي بدأ قبل ستة أعوام؛ هو امتداد لمساعدات أوسع ودعم أكبر، كانت تتلقاه اليمن من المملكة العربية السعودية، ومن دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت وغيرها بشكل سنوي منذ أربعة عقود وأكثر، حتى أن المملكة كانت تبعث بمعلمين وتتعاقد مع آخرين من دول عربية على حسابها لتعليم أبناء اليمن، وتبني المدارس، وتشق الطرق وغيرها، وفعلت الكويت الشيء ذاته، ولكن الفساد الإداري والمالي الذي كان وما زال ينخر في الدولة اليمنية، أفسد كل هذه الجهود، وأضاع عدة فرص لنماء الإنسان والمكان في طول اليمن وعرضه. بيئة الفساد في كل المجتمعات، تورّث الفقر والجهل والمرض، واليمن أمس واليوم خير دليل على هذا.
* بهذه المناسبة؛ جاء الكلام بيني وبين الصديق اليمني على تصريح جديد لوزير الأوقاف والإرشاد اليمني الدكتور أحمد عطية قال فيه: (إن قانون الخُمس الذي أصدرته ميليشيا الحوثي المتمردة؛ يقضي على ما تبقّى من أواصر وروابط اجتماعية بين أبناء الشعب اليمني، ويكرس زيادة الفجوة والهوة بين أبناء الوطن الواحد، لأنه قائم على الفرز العنصري والمذهبي البغيض الذي لم يعهده اليمنيون، ولم يعرفوه في حياتهم من قبل). هذه صورة حديثة لما يمارس من فساد في اليمن، من قبل انفصاليين تمكنوا بسلاح إيراني وأموال قطرية؛ من السيطرة على صنعاء وأجزاء من اليمن، ثم لاحقوا المواطن اليمني حتى في لقمة عيشه على قلتها، وفتحوا الطريق لمليشيات أخرى إرهابية من داعش والقاعدة والإخوان، لتتقاسم معهم عمليات قتل اليمنيين وتشريدهم وتجويعهم وتشتيتهم في كل الجهات.
* معضلة اليمن الأزلية؛ هي في الانقسامات والانفصامات المتجذرة، التي لا ينتج عنها في العادة؛ إلا إدارات سياسية فاسدة متعددة الولاءات والتوجهات- قبلية وحزبية ومذهبية وخلافها- وآخرها ما نراه اليوم من تشرذم يمني بين قوى إيرانية وتركية وغيرهما، بقيادة الإخوان المفسدين والحوثيين الخونة.
* يذكرني الصديق اليمني بطرفة قديمة متداولة تختزل فساد الإدارة في اليمن، أو في أي بلد آخر مبتلى بالفساد والاضطراب وعدم الاستقرار. فقد قيل إن متسولاً في أحد بلدان العالم الثالث؛ اعتاد الجلوس على أحد أبواب المتحف الوطني في عاصمة بلده، فمر به سائح أجنبي، فقال للسائح: لله.. لله. قال له السائح: what..؟ قال المتسول: لله. قال السائح: what ..؟ وفي آخر الأمر؛ يئس المتسول من الحصول على شيء، فترك المكان ومشى، ولكن السائح أخذ صورة له للذكرى، وكان هذا السائح ثريًا، فما أن عاد إلى بلاده، حتى اتصل بصديق له عربي يعمل في جامعة أمريكية وسأله: أيش معنى (لله)..؟ قال له الصديق: هذا رجل فقير، يريد منك مالاً ليأكل. تكمل الطرفة وتقول: رقّ قلب السائح الثري، وأرسل للمتسول عبر سفارة بلده في واشنطن مليون دولار في حقيبة، وزودهم بصورة للمتسول والموقع الذي التقاه فيه..!
* ثم.. وصلت المليون للسفير الذي قال لنفسه: مليون كثيرة لشحات فقير..! 200 ألف دولار حلوين، وكثير كمان على أهله، وأرسلها لأمين العاصمة..! وصلت الفلوس لأمين العاصمة فقال لنفسه:200 ألف دولار كثيرة لشحات..! 2000 دولار حلوين وكثيرة كمان. وأرسلها لمأمور المنطقة التي بها المتحف. وصلت الفلوس لمدير المتحف فقال المدير لنفسه:2000 دولار كثيرة على هذا الشحات..! 200 دولار زيادة عليه، وأرسلها لمركز الشرطة. وصلت الفلوس لمركز الشرطة، فقال مدير الشرطة لنفسه: 200 دولار كثيرة على واحد كحيان..! 20 دولارًا بالزيادة، يفطر بها ويتغدى ويتعشى في مطعم. فنادى الضابط على عسكري وقال: خذ الـ20 دولارًا هذه للمتسول الذي عند المتحف وهذه صورته. ذهب العسكري للمتسول فقال له: أتذكر السائح الذي قلت له ذات يوم: (لله) وصوّرك..؟ قال: نعم أذكره. قال: يقول لك: (الله كريم)..!
* الله كريم مع كل إنسان في كل زمان ومكان. ونأمل أن يأتي على اليمن زمان جديد ينتصر فيه على نفسه أولاً؛ بأن يستعيد وحدته، ويجمع لحمته، ويكرس جهوده، للقضاء على الفساد بكافة أشكاله، فينبذ كل مستعمر فارسي أو تركي، ويتخلص من كافة التنظيمات الإرهابية -إخوانية وقاعدية وداعشية- وأن يسخر موارده ومقوماته الذاتية؛ لمحاربة الفقر والجهل والمرض. (الله كريم).