رقية سليمان الهويريني
تعد حالة الملاصقة الجسدية والحميمية العاطفية بين العرب ظاهرة عالمية حيث التقبيل بالخد والأنف والرأس والحضن والمبالغة في المصافحة! مما يسهم في نقل الأمراض عمومًا وفيروس كورونا بوجه الخصوص.
وإن كنت أرى ضرورة إبقاء مسافة كافية بيننا حتى في حدود العلاقات الإنسانية المعنوية، والمسافة تعني الأمان الذي يمنع اصطدامنا بمن حولنا أثناء سيرنا في دروب الحياة، تمامًا مثل حفظ المسافة بين العربات في الشوارع التي تقي من الاصطدامات المُهلكة، وكذا المسافة التي توضع بين الكلمات المكتوبة لنتمكن من قراءتها.
ولست أعلم سببًا لرغبة الكثيرين بالاقتراب حد الالتصاق الجسدي والنفسي مع تهميش تام للخصوصية! حيث يزعم البعض ضرورة القرب للحفاظ على الرابطة والتعبير عن قوة العلاقة، ويتوقعون أن الاقتراب يشكل حماية وأمانًا ضد المشكلات والنكبات. في حين أن الخطوط الحمراء والمساحة الخاصة التي تفصلها المسافات الجسدية والعاطفية هي الأساس مهما تصورها البعض حواجز وقيودًا تمنع التواصل مع الأحباء المحيطين بنا خصوصًا بين الأزواج والأبناء والإخوة والأصدقاء والأقارب.
والأمر يحتاج إلى توازن فكري وميزان صحي يحكمه الوعي والذكاء، يحمل الخصوصية والاحترام المتبادل، وكذا الاهتمام والرعاية والحنان.
وتتطلب إيقاعات العلاقات ضوابط لا تتأتى إلا بوضع خطوط حمراء تحفظ لها خصوصيتها، وهامش للتحرك والتصرف الخاص، كي تحافظ على استمراريتها، مع الأخذ في الاعتبار عدم الخلط بين العفوية والعشوائية، فالأولى لا تسمح للشخص بالتعدي على حدود الآخرين، والثانية فوضى تعبث بالتعاملات وتؤدي لانفعالات غير محسوبة.
والحدود في العلاقات المكانية والمعنوية بين الأطراف قابلة للتعديل بين الاتساع والتضييق، الكفيلة باستمراريتها وارتباطها بالممارسة اليومية والمخاطر المترتبة عليها، ونجاحها يعتمد على وعي وذكاء أطراف العلاقة، وتتوقف على الأسلوب والوقت المناسب، وهي نظام علاقات متكامل للتعامل مع الآخر.
إن الصورة الذهنية عن الاندماج التي تجعل (التلاصق) هو تصادم والتحام ونقل عدوى مهلكة قد يفنى فيه الناس؛ هي صورة مرعبة ومخيفة. حينها يمكن أن أقول: ابتعد عني أرجوك، لأن الالتصاق قد ينتهي بالفناء، وهو حينئذ لا يستحق التضحية إلا إذا ضمن له الأمان.