فهد بن جليد
لا أملك دراسة علمية وإحصاءات وأرقاماً, ولكن أمامنا حقائق ملموسة نعيشها بتظاهر الكثير من الآباء والأزواج (بالانشغال) خارج المنزل وعدم العودة إليه مُبكراً حتى لو انتهت أعمالهم, والسبب الاعتقاد الخاطئ بأنَّ هذا الانشغال يمنح الأب أو الزوج مزيداً من الأهمية والهيبة داخل بيته وبين أفراد أسرته، حيث يبدو (مشغولاً) طوال الوقت ليتهرَّب من واجباته ويُعفى من تحمُّل مسؤولياته, طبعاً هذا قبل (عمايل كورونا) التي فضحت المستور, وأكَّدت أن لا شيء أهم ولا أغلى من صحة الإنسان وبقائه داخل بيته آمناً مُستقراً, والواضح أنَّ الجميع الآن يترقبون باهتمام كبير كيف ستبدو الأمور مع لحظات العودة مُجدَّداً للحياة بكامل تفاصيلها؟
الانشغال والتعامل برسمية وجفاف من أهم (خمس مُهدِّدات) وجد المختصوُّن أنَّها تؤثِّر على العلاقة بين الأب وأولاده, يسبقها بخل الأب الميسر والتعامل بعنف وقسوة في الكلام بالتقريع والتهديد, لذا من الواضح أنَّ (الفيروس) أعاد ترتيب العلاقات الأسرية في الكثير من البيوت وفي مُختلف الثقافات- الأمر لم يعد مُخجلاً- آباء كثر يتحدثون (علناً) عن اكتشافهم أشياءَ جديدة وميزات -لم يعلموها من قبل- في بيوتهم وبين أبنائهم, ما ساهم في تقوية العلاقات والروابط وتوطيدها أكثر بين أفراد الأسرة الواحدة تحت سقف البيت الواحد, الخوف اليوم هو في فقدان هذه اللحظات الجميلة وتحولها لذكريات بخسارة الأب -مرَّة أخرى- بعد أن أعاده (كورونا) لحضن الأسرة أو أعاد الأسرة إلى حضنه, لا سِيَّما ونحن نقترب من مرحلة الانفراج من ضغوط الجائحة والعودة للحياة الطبيعية (بالتعايش بوعي) مع الفيروس, الأمر الذي لا يعني -بالضرورة- الانشغال أو التظاهر به مُجدَّداً, فكم هي (نسبة الآباء) المتوقّع تغيّر سلوكهم, بالعودة مباشرة لبيوتهم بمجرد انتهاء حاجاتهم وأعمالهم الرئيسة خارجه؟
بالطبع لا أحد يملك الإجابة الآن, ولكنَّ جميع الآباء يستطيعون معرفة ما إذا كان السؤال مطروحاً في بيوتهم, ولو بصيغة أخرى تتساءل عن مخاوف انشغال الأب وغيابه مُجدَّداً, ليس عن الظهور في البيت فقط؟ بل غياب مُر آخر عن (حياة) كل من في البيت -هذه المرَّة-؟
وعلى دروب الخير نلتقي.