سلمان بن محمد العُمري
يقول أحد الزملاء إن صديقًا لهم من أصدقاء الاستراحة كان يلقب بـ(السبيكة) لكثرة كلامه وبلبلته في كل أمر، ودونما إدراك أو فهم أو علم، وحينما انتشر (السناب) وجد فيه متنفسًا للفضفضة، ثم ما لبث أن انتشر واشتُهر اسمه، وزاد عدد المتابعين له؛ لنفاجأ بعد مدة بأنه يُستضاف في القنوات الفضائية للحديث في الشؤون السياسية والاقتصادية، ويعلق على الأحداث، وهو الذي لم يتم تعليمه. وما أكثر هؤلاء (السبايك) هذه الأيام، وليست سبائك الذهب الثمينة، بل هو مصطلح عامي، أُخذ من ميكانيكي السيارات حينما «تنضرب» بالماكينة إحدى السبائك، فنُقل هذا المفهوم لبعض البشر الذين لديهم مشاكل في رؤوسهم.
ومما نلحظه مؤخرًا بعد انتشار وسائط التواصل، وكثرة استخدامها، كثرة أدعياء العلم والمعرفة، وتجد هؤلاء يظهرون لك، سواء في الرسائل الخاصة، أو في المجموعة، وتجد مَن يحدثونك في السياسة، وفي الاقتصاد، والأدب، والثقافة، بل يتجرؤون على الدين بالفتوى، ويعرج على الرياضة، ويناقش بها، وكأنه حاصل على أعلى شهادات التدريب من الفيفا، ثم يحدثك في التخصصات الطبية المختلفة، وكأنه باحث في كلية الطب بجامعة هارفارد، ولا يتردد في منح الوصفات الطبية أو الطبيعية، ويقدم استشارات ونصائح نفسية.. وقلّ مَن تجده يستحيي من قول كلمة «الله أعلم» حتى وهو يتحدث في تخصصه الذي لا يلم به، فكيف بحديثه في كل فن؟!
ومع التوسع في استخدام وتنوع وسائل التواصل الاجتماعي كَثُر المفتون والمنظِّرون في شتى مناحي الحياة، ومن بين ذلك تقديم الاستشارات للناس عبر هذه المواقع من غير المتخصصين، أو من غير المصادر المرخصة، وهو غير مقبول نظامًا..!
والأخطر منه حينما يتناقل السذج هذه الرسائل، وكأنها حقائق مسلّم بها، أو صادرة عن مراكز بحثية متخصصة، ويقومون بالتسويق للغث وللنطيحة والمتردية ولبائعي الأوهام!
ولعله من الأهمية بمكان أن تتدخل الجهات الرسمية بمنع الاتجار بالمعلومات الطبية، أو تقديم استشارات صحية شعبية، وغيرها، أو الإعلان عن منتجات غذائية أو تجميلية على الشبكة، وتطبيق نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية عليهم، ومطالبتهم بتعويض المتضررين من تلك الاستشارة أو ذلك الإعلان؛ لأن مثل هذه المعلومات قد لا تتناسب مع البعض من غير تشخيص، وربما تُهلك الشخص، أو تؤدي إلى فقدان حواسه أو أعضائه.
وإذا كانت المادة الـ29 من نظام مزاولة مهنة الطب البشري ذكرت في حق الطبيب الحاصل على الشهادة أنه يعاقَب بالسجن مدة لا تتجاوز ستة أشهر، وبغرامة لا تزيد على خمسين ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من: (زاول المهنة دون ترخيص)، أو استعمل وسيلة من وسائل الدعاية، فالواجب أن غيره يُمنع ويعاقَب من باب أولى!
أذكر أن أحد أدعياء العلم والمعرفة كان ينتقص من شيخ الإسلام ابن تيمية بنقولات (قص ولزق) من مواقع منحرفة فكريًّا وعقائديًّا. وهذا البائس الضعيف ربما أنه لا يعرف أحوال الطهارة وأحكام الصلاة..! ومَن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.
إن هوس الكلام والشهرة وإثبات الذات داءٌ قديم، ولكنه انتشر مع مواقع الاتصال الفردية أو الجماعية؛ فتجد أحدهم يتكلم في كل فن، وعن كل شأن، وهي بكل تأكيد عقدة نقص، ويحاول صاحبها أن يظهر ويبرز، ويثير الإعجاب من الآخرين.. وبعض الناس يعانون متلازمة (التثيقف) وادعاء المعرفة، ولو أفسد على الناس دينهم ودنياهم! والأشد عجبًا وإزعاجًا أن تجد لهؤلاء حضورًا في وسائل الإعلام المرئية، واستضافتهم!! وإذا كنا في السابق نسمع مقولة أنصاف المثقفين، وأنصاف المتعلمين، فإن المتثيقفين وأدعياء العلم لا يملكون منه أبجديات وأساسيات العلوم، وثقافتهم محدودة للغاية.