إعداد - خالد حامد:
هل سننظر في المستقبل إلى الوراء لعام 2020 باعتباره العام الذي أنهت فيه الهند رسميًا علاقتها الرومانسية مع العولمة التي استمرت لمدة 30 عامًا تقريبًا؟
مع استمرار الفيروس في مسيرته القاتمة في جميع أنحاء العالم، تبدو الهند مستعدة للتحول مرة أخرى إلى «الاعتماد على الذات» كعقيدة وطنية. ولكن من خلال تجربة الماضي، سيكون هذا خطأ فادحًا.
لقد قال رئيس الوزراء ناريندرا مودي في خطاب متلفز في 12 مايو الماضي في رد حكومته على تفشي وباء كورونا: «إن ما يمر به العالم اليوم يعلمنا أن الهند التي تعتمد على الذات هي المسار الوحيد المتاح لنا، ومسؤوليتنا في جعل القرن الحادي والعشرين قرن الهند ستتحقق من خلال تعهد الهند الاعتماد على نفسها».
على الرغم من أن رئيس الوزراء أوضح أن دعوته للاعتماد على الذات لا يجب أن يتم تفسيرها بشكل خاطئ على أنها «ترتيبات للتمحور حول الذات»، إلا أن هذا الأمر سيريح للغاية الذين يتذكرون الكآبة الخانقة للهند التي سبقت فترة الاستقلال. وبكل صراحة، فإن خطاب الاعتماد على الذات يمكن أن ينزلق بسهولة إلى المنطقة المألوفة المتمثلة في الانغلاق، والمحسوبية والواسطة.
ومع ذلك، من السهل معرفة لماذا يجد بعض الأشخاص الفكرة جذابة مثل العديد من الوعود الحكومية الأخرى. عندما وضع مودي رؤيته لمائة مدينة ذكية، لم يقل أحد إنهم يفضلون العيش في مدن غبية. لا يمكنك مواجهة الحلم المبهر لـ»الهند الرقمية» من خلال تقديم حجة لـ»الهند التناظرية». وبالمثل، من الذي يمكن أن يفضل الاعتماد الخفيف على الاعتماد القوي على الذات؟
لقد أبرزت جائحة كورونا فضائل الاعتماد على الذات. ففي حديثه المتلفز، تحدث مودي عن تطوير الهند سريعًا لقدرتها على إنتاج 200000 قناع و200000 مجموعة معدات للوقاية الشخصية يوميًا. وعلى عكس العديد من البلدان، لم تعتمد الهند على الصين لحماية نفسها من الفيروس الذي نشأ في ذلك البلد.
حتى قبل ظهور وباء كورونا، كانت العولمة في وضع شديد الصعوبة بعد أن فسر النقاد على نطاق واسع انتخاب دونالد ترامب عام 2016 في الولايات المتحدة والقرار البريطاني بالخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) في نفس العام كعلامات لموجة شعبوية تجتاح معظم العالم يرمز لها ترامب وبوريس جونسون والرئيس البرازيلي بولسونارو والتركي رجب أردوغان.
يمثل مودي ووزير الداخلية أميت شاه الظاهرة نفسها في الهند حيث تمتلك النخب الناطقة باللغة الإنجليزية الآن قوة أقل مما كانت تتمتع به في أي وقت في التاريخ الهندي بعدي الاستقلال. يمكن القول إنه ما زال من السابق لأوانه تفسير مودي للاعتماد على الذات إلا أن حديثه عن دمج الهند في سلاسل التوريد العالمية يترك الباب مفتوحًا لاحتمال أن الخطاب قد يكون في النهاية أكثر راديكالية من الواقع.
تثير لغة الاعتماد على الذات أيضًا مخاوف جديدة بالنسبة للمستثمرين الأجانب في وقت يتسم بانعدام اليقين العالمي. هل ستسمح الهند للشركات متعددة الجنسيات بالتنافس بشكل عادل مع الشركات المحلية، أم أنها ستحاول تعزيز الأخيرة على حساب الأولى؟ وما هو نوع بيئة الأعمال التي يخلقها خطاب الاعتماد على الذات؟ وكيف يمكننا أن نكون على يقين من أن المسؤولين المتحمسين للغاية (في التعاون مع الشركات المحلية) لن يميزوا بشكل غير عادل ضد الشركات الأجنبية؟ هل كانت (وول مارت) ستقوم بشراء (فليبكارت) مقابل 16 مليار دولار قبل عامين لو أنها توقعت تحولاً محليًا محتملاً للهند؟
لقد رأينا هذا الفيلم من قبل. حتى ظهور الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، كانت الهند الاشتراكية تفتخر بواحدة من أكثر الاقتصاديات المغلقة في آسيا.
بالنسبة للهندي العادي، كانت الفترات التي يتم فيها الاعتماد على الذات قبل التحرير مرادفة للمنتجات الرديئة المصنوعة من قبل الشركات التي يعتمد نجاحها على علاقاتها القوية مع الحكومة أكثر من قدرتها على توفير سلع وخدمات أفضل للمستهلكين. إذا كان لديك جهات اتصال مناسبة مع الحكومة، يمكنك القفز في قائمة الانتظار للحصول على السلعة المناسبة وبيعها بسعر مميز.
استفادت دول قليلة من الانفتاح ومن بينها الهند التي لو تخلت عن السياسات التي رافقت هوس الاعتماد على الذات في عام 1971، بدلاً من عام 1991، لكان من المحتمل جدًا أن تكون الهند اليوم، وليس الصين، هي أكبر اقتصاد في آسيا. لا يمكن لواضعي السياسات العودة وتصحيح أخطاء الماضي، ولكن أقل ما يمكنهم فعله هو محاولة عدم تكرارها.
** **
سادانا ندوم - زميل بمعهد (أميركان إنتربرايز) في واشنطن - عن (تايمز أوف إنديا) الهندية