إعداد - خالد حامد:
عندما تنتهي ولايته الأولى بعد حوالي ستة أشهر فقط من الآن، سيكون الرئيس ترامب قد أمضى وقتًا حول إيران أطول من أي قضية أخرى في السياسة الخارجية إلى جانب الصين.
ولكن إلى أين انتهى بنا المطاف بعد كل هذا؟
لقد تسببت حملة (أقصى ضغط) التي مارستها إدارة ترامب في إحداث دمار هائل في الاقتصاد الإيراني من خلال تصفير الصادرات النفطية لهذا البلد تقريبًا، لكن على الرغم من ذلك، لا يزال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي المناهض للولايات المتحدة يرفض التراجع قيد أنملة.
منذ شهر يونيو 2019، قرر النظام الإيراني المناهض للولايات المتحدة الإفراط في هجماته العدوانية، بدءاً بإسقاط طائرة عسكرية أمريكية بدون طيار فوق الخليج العربي وبلغت تلك الهجمات ذروتها بعد بضعة أشهر من خلال الهجوم على اثنين من أكبر منشآت النفط في المملكة العربية السعودية (بقيق وخريص). قامت إدارة ترامب بالرد من خلال تصعيد الموقف في يناير بقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني. ومع ذلك، تمسك الإيرانيون بمواقفهم المتشددة من خلال تنفيذ سلسلة من الهجمات ضد القوات العسكرية الأمريكية المتواجدة في العراق.
طهران تتمنى فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل لأن هذا الفوز من شأنه أن يعيد الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وينهي العقوبات المفروضة على طهران ويبدأ تجربة جديدة معها.
البديل المخيف بالنسبة لإيران هو أربع سنوات أخرى من حكم دونالد ترامب، التي أوجزها مؤخرا المبعوث الأمريكي في إنذار نهائي قدمه لإيران مؤداه: «التفاوض أو الانهيار الاقتصادي.»
لسوء الحظ، لن تجدي سياسة الضغط القصوى التي يتبعها ترامب ولا التوجه اللين المحتمل الذي قد يسلكه بايدن سيجبر إيران على استيعاب الولايات المتحدة. وهذا يطرح السؤال التالي: لماذا لا نتخطى الولايات المتحدة الصفقات الإيرانية المخادعة وتذهب مباشرة لتغيير النظام؟
قد لا يمكن للولايات المتحدة تبرير شن حرب شاملة مع إيران، لكن العمل السري يمكن أن يكون هو ما تحتاجه واشنطن لدعم التحول الديمقراطي في إيران.
لا تزال فكرة (تغيير النظام) تستحضر صورًا لانتهاكات وكالة المخابرات المركزية والانقلابات العسكرية المنظمة والتدخل الأمريكي (المتهور) الذي مارسته الولايات المتحدة في الماضي. يجب أن تكون نسخة القرن الواحد والعشرين للتغيير سلمية وغير سرية، ليكون لديها فرصة أفضل للحصول على موافقة الكونجرس والشعب الأمريكي.
سيكون من الأسهل تقديم دعم أمريكي غير فتاك للإيرانيين الباحثين عن الحرية من خلال العمل على توحيد حركات المعارضة الإيرانية المتباينة الاتجاهات. وستستفيد محاولات تغيير النظام من البرامج المدعومة من الولايات المتحدة التي تمول وتدرب مجموعات الاحتجاج الإيرانية مثل النساء والطلاب والمعلمين وسائقي الشاحنات والأقليات العرقية. كما أن المقاطعة والإضرابات والعصيان المدني التي ستحدث تحت راية واحدة من المعارضة ستؤدي في نهاية الأمر إلى انشقاقات في الأجهزة الأمنية لنظام الملالي والنخب السياسية وهي أهم محددات النجاح لأي حركة جماهيرية. ومن خلال فتح المجال للعمل السري للخبراء في إعادة الإعمار الاقتصادي، والعمل المنظم والمجتمع المدني، سيكون لواشنطن تأثير أعمق وتوفر لحركة مقاومة وطنية مستقبلية هيكل وتمويل ورؤية.
والعامل الآخر المطلوب لإنجاز مهمة تغيير النظام في إيران هو توفر وسائط إعلام نشطة تعمل على بث البرامج الإعلامية باللغة الفارسية وتكون برعاية الولايات المتحدة التي يتحتم عليها إنفاق عشرات الملايين من الدولارات سنويا على وسائل إعلامية مثل «صوت أمريكا» و»راديو أوروبا الحرة»، ويجب أن تحتوي وسائل الإعلام هذه على نشرات إخبارية عالية الجودة حيث يقدر البعض أن مثل هذه البرامج سوف يتابعها ما يصل إلى 50 مليون مشاهد إيراني عبر الأقمار الصناعية و44 مليون مستخدم للإنترنت و25 مليون مستخدم للشبكات الاجتماعية وتطبيقات المراسلة. هذا الإعلام الموجه سيكون بديلاً مناسبا عن الدعاية البغيضة المؤيدة للنظام الإيراني في الداخل.
لكي تنجح أي حركة جماهيرية سلمية، ستحتاج إلى مساعدة من الرجال والنساء في داخل الحكومة التي يسعون للإطاحة بها حيث يمكن للنخب المتعاطفة مع التغيير أن تبدأ بتسريب معلومات عن النظام القمعي الذي يثير غضب الإيرانيين وينتشر فيه الفساد وعدم الكفاءة والقمع العنيف.
مساعدة من هم بالداخل لا يشمل فقط الضباط العسكريين والمسؤولين الحكوميين فحسب، بل أيضًا الموظفين الذين يديرون بهدوء الشؤون اليومية للجهاز الإداري الضخم الذين سيكون دعمهم حاسماً بشكل خاص خلال المراحل اللاحقة من المرحلة الانتقالية، عندما يتوقف بقاء النظام على ما إذا كانت الأجهزة الأمنية ستظل مخلصة له أم لا. يمكن للولايات المتحدة المساعدة بتقديم الدعم الداخلي وتقويته، لكن الأمر سيستغرق وقتًا ومالًا وتخطيطًا لإحباط جهاز المخابرات الهائل للنظام في إيران.
لقد كانت الإضرابات العامة والمقاطعة والعصيان العام مسؤولة إلى حد كبير عن إحداث شلل في بنية الاقتصاد الإيراني في العامين اللذين سبقا أحداث عام 1979 التي جاءت بالخوميني. ففي نوفمبر 1978، أضرب 37.000 عامل نفطي، مما تسبب في انخفاض إنتاج النفط الإيراني بنسبة 80 % تقريبًا في أقل من أسبوعين. وستكون تبعات الإضراب المماثل اليوم أكثر تدميراً. عندما أضرب أكثر من 200 ألف سائق شاحنة في 250 مدينة خلال النصف الثاني من عام 2018، أدى ذلك إلى نقص البنزين والسلع الأساسية الأخرى في جميع أنحاء البلاد. بعدها أصدر القضاء الإيراني مئات أوامر الاعتقال بحق السائقين، وذهب المدعي العام إلى أبعد من ذلك من خلال التهديد بعقوبات شديدة، بما في ذلك عقوبة الإعدام. يجب على واشنطن التعبير عن الدعم لسائقي الشاحنات والمساعدة في تعزيز اتحادات تجارية غير رسمية (أي غير قانونية) في جميع أنحاء البلاد.
يجب على إدارة ترامب في فترة حكمها الثانية أن تتخلى عن الخيال القائل بأن إيران ستغير في النهاية سلوكها. لقد فشل الضغط الأقصى في تحقيق ذلك، مما مهد الطريق لنهج جديد يقع بين وعد بايدن «الدبلوماسية العدوانية» والمفهوم الذي لا يمكن تصوره للحرب الشاملة.
إن البدائل - في انتظار استسلام إيران والالتزام بتغيير حقيقي في شكل ربيع فارسي - هي مجرد تمنيات.
** **
سكوت مودل - أستاذ مساعد في جامعة جورج تاون وعمل لمدة 13 عامًا في الخدمة السرية الوطنية لوكالة المخابرات المركزيةCIA - عن مجلة (نيوزويك) الأمريكية