عبد العزيز الصقعبي
«هي خمس كلمات.. احفظها.. ولا تحتاج إلى النص كاملاً»، كلمات مؤلمة، واجهني بها المخرج، ولكن أقنعته أنني أريد أن أستفيد من قراءة النص، مؤكداً أن طموحي أن أكون البطل مستقبلاً، ليجيبني متهكماً، إن الطريق طويل جداً لأصبح البطل، أخذت منه نص المسرحية قسراً، أنا الآن لدي النص، اتصلت بالمؤلف وطلبت منه أن يضيف لي مجموعة من الحوارات، فقال إن النص ملك المخرج ولا يمكنه التصرف بكلمة واحدة منه، كان من المفترض أن يقدم هذا العرض المسرحي في مثل هذه الأيام، وحسب النص سأكون أول ممثل يدخل من باب جانبي بعد أن يفتح الستار لأجيب على الهاتف قائلاً «ليس موجود الآن.. سيأتي بعد قليل» حسب النص لا توجد كلمة «الآن» ولكن أضفتها حتى أخالف قليلاً قرار المخرج الذي يطلب أن تكون خمس كلمات فقط والتزم الصمت حتى نهاية العرض، الآن تأجل العرض حتى تنتهي الجائحة، ويعود العالم للوضع الطبيعي، قرأت النص كاملاً، وحفظت أغلب الحوارات، وبالطبع الكلمات السخيفة التي سأقولها، وتخيلت نفسي البطل وبدأت بأداء الدور الذي يقوم به، ليس صعباً ولا يحتاج إلى موهبة خاصة ولكنه الحظ، أنا الآن وحيد في البيت، تزوجت منذ سنة، ربما سنة ونصف، زوجتي الآن عند عائلتها، لا أستطيع الذهاب إليها بسبب الحجر، رزقت بمولود، شاهدته في المستشفى، كنت سعيداً جداً، عدت مباشرة للبيت، وذهبت زوجتي لبيت عائلتها لتكون قريبة من أمها، تعرف زوجتي أنني أحب التمثيل، وسبق أن شاركت ضمن مجموعات في عمل درامي، لم أكن واضحاً، ولكن كنت مع القطيع، ليس لدي واسطة وعلاقاتي محدودة، لكن أنا موهوب، أعرف نفسي، وحين سمعت بمشروع العمل المسرحي تقدمت مباشرة للمشرف على الفرقة، وبعد مقابلة مع المخرج، قرَّر أن يعطيني فرصة العمر، كما يقول، وأكون مع مجموعة من النجوم اللامعين في المسرح والدراما، أنا أعرفهم، ولكن عن بعد، كل شيء الآن عن بعد، فعلاً أنا أشاهد أعمالهم بالمسرح والتلفزيون، وبعضهم أصبح من مشاهير السينما، هم نجوم، وأنا لم أصل لأكون من نجوم الليل تلك اللعبة التي يلعب بها الصبية ليالي الأعياد، قال لي المخرج، أن فرصتك كبيرة، ستجلس مع أولئك النجوم.. عن قرب.. وهذا في حد ذاته إغراء، لم أعرف أهمية ذلك إلا الآن، في زمن التباعد، كثير من الناس يتمنون لقطة «سلفي» معهم، صورة غالباً تكون مدفوعة بعد العرض، ولكن أنا سأجلس معهم، وسأذكِّر بعضهم بما يقول، لو نسي، وسأقف بجانبهم عند نهاية العرض المسري لتحية الجمهور، أهنالك عز أكثر من ذلك، ولكن في الأخير أنا مجرد كووممبااارس، مهما حاولت أن أضخم من الاسم يبقى نكره، أي شخص يقوم بالدور، ولن يتذكرني أي واحد من الجمهور، ولكن لا يهم، هنالك عرض رئيس سيحضره وجهاء البلد وكثير من الأدباء والفنانين والنقاد، هو العرض الأول.. عرض للنخبة، في هذا العرض سأكون البطل، وأنا أعرف كيف أفعل ذلك، لقد أضفت كلمة للنص، ولكن هذا لا يكفي، قريباً ستنتهي هذه الجائحة، العالم بدأ يعيد كثيراً من الأنشطة التي توقفت، لا بد من التباعد، هي فترة قصيرة بكل تأكيد، في هذه الفترة سيكون هنالك لقاءات لحفظ النص وتقديم بعض البروفات، هذا ما أشعرني به مساعد المخرج، بالمناسبة، المخرج لا يتنازل أن يتصل بي، فيطلب من مساعده أن يخبرني بكل جديد، لا مشكلة لدي مطلقاً، كل مرة يتصل بي ذلك المساعد أطلب منه أن يسمع المخرج صوتي وأنا أقول الست كلمات، لحسن الحظ لم ينتبه لكلمة «الآن» التي أضفتها، إذا عندما نعود ونبدأ بما يسمى «البروفات» سأكون مثالياً، سأتقرّب من جميع النجوم، رجال ونساء، سأخبرهم بأن من بركات هذا العرض أنني رزقت مولوداً، سأتقبل التهاني، وربما الهدايا، سأطلب من زوجتي أن تصور المولود وترسله عبر هاتفها المحمول، سأريهم الصورة، سأكون مختلفاً، ومنضبطاً، وخلوقاً، سأكون إنساناً محبوباً لدى الجميع، ربما يقرّر المخرج أن يغيّر الدور لدور أهم وشبه رئيس، أنا أرضى بذلك، ولكن يبدو لي أن المخرج يرى عكس ذلك، يرى أنه تكرّم علي بذلك الدور التعيس، إذا حدث ذلك، سأخبركم ماذا أعمل في العرض الرئيس، وأنتم لا تعرفون أهمية العرض الرئيس الرسمي الذي يكون فيه الحضور من النخبة، سيكون المخرج متوتراً، وأغلب الممثلين قلقين، وجميع الفنيين ينتظرون أي إشارة من المخرج ومساعده، الإضاءة، الصوت، قطع الديكور وأماكنها الصحيحة، لا يريد أحد أي خطأ أو خلل يؤثّر على العرض، بالذات هذا العرض، أما بقية العروض، الجماهيرية، فأمرها بسيط، ولا تحتاج لتشنج أو خوف، أنا في العرض الرئيس سأكون مرتاحاً جداً، أخاف من ماذا، الوقت الذي سأكون فيه متواجداً على خشبة المسرح لا يتجاوز الثلاث دقائق إذا تكرم الجمهور وبادر بالتصفيق لدخولي، ربما تصفيقه هذا بسبب بداية المسرحية وليست لي، ولكن سأجيرها، وأستفيد من ذلك وأبالغ بتحية الجمهور، وبعد ذلك علي أن أغادر خشبة المسرح مباشرة بعد أن أقول الكلمات السخيفة، التي لا تضيف للنص شيئاً، ولن في العرض الرئيس، الرسمي، لن أغادر خشبة المسرح، أجل، لن أغادر خشبة المسرح، سأتحول إلى حكواتي، بعد أن أضع سماعة الهاتف اتجه لمقدمة المسرح مخاطباً الجمهور قائلا لهم «لماذا أنتم جالسون.. هيا غادرو.. ألم أقل إنه غير موجود» بالطبع سيتوقع الجمهور أن ذلك من العرض، وسيبادر بقية الممثلين والممثلات بالدخول حسب أدوارهم، وسيطلب المخرج من أحد الممثلين أن يسحبني دون أن يلفت انتباه أحد للداخل، ولكن سأخبر الجمهور بما سيقوله كل هؤلاء الممثلين، لا مشكلة لدي، أنا أحفظ النص، وأحفظ حركات الممثلين، سأعلق على حركات الممثلين وأسخر منهم، وبالذات البطل، سأبقى جامداً في مكاني، سأتحول إلى مهرج، سأجعل كل الحضور ينزعون من على وجوههم قناع الرسمية والجد وينهمكون بالضحك، لا يهم، لأكن مهرجاً، ليضحك الجمهور علي ومني، و تكون محاولة سحبي من مقدمة المسرح جزءاً من العرض، سيستعين المخرج بالإظلام للمسرح، ليوقف العرض، بالمناسبة لا يوجد ستارة للمسرح، بل إضاءة وإظلام، وبالمناسبة أيضاً في العرض الرسمي، أحياناً يعطى كل مشارك بالعرض فرصة لدعوات خاصة، سأدعو مجموعة من أصدقائي المشاغبين سيجلسون بكل تأكيد في الصفوف الخلفية، ولكن سيصفقون لكل حركة أقوم بها، وبالطبع سيصفق البقية معهم مجاملة، أرأيتم، ماذا سيحدث، أنا سأكون البطل، أجل سأكون البطل، ها هي رسالة من مساعد المخرج في هاتفي المحمول، لا بد أنه قد تم تحديد بداية البروفات، ماذا.. « يؤسفنا إخباركم أنه تم تقليص المشاركين بالعرض من تسعة ممثلين إلى ثلاثة.. بسبب الظروف الحالية.. حيث سيتم عرض المسرحية بدون جمهور وتصويرها تلفزيونياً.. نتمنى مشاركتك في عرض آخر.. بالمناسبة.. المخرج يرغب استعادة نسخة النص التي لديكم».
(كتابة قابلة للتغيير).