محمد عبد الرزاق القشعمي
قبل نحو ثلاثة عقود ونصف العقد نظمت الرئاسة العامة لرعاية الشباب - بصفتها مسؤولة عن الثقافة في المملكة - مهرجانًا لشباب مجلس التعاون الخليجي في أبها، وطلب من بعض الجامعات بالمملكة ترشيح أحد أعضاء هيئة التدريس للإشراف وتحكيم وإدارة المسابقات الثقافية التي ستجري بين الشباب في مجال الشعر والقصة والمقال.
كنت مندوباً للرئاسة العامة لرعاية الشباب في إدارة المهرجان، وكان الوضع يتطلب أن أكون ضابط الاتصال بين المتسابقين والمحكمين، إضافة للتحضير لحفل الافتتاح الذي سيرعاه أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل (وقتها)، وكان ممثل الأمانة العامة لمجلس التعاون الدكتور عبد العزيز الجلال.
أقيم المهرجان، ونظمت المسابقات وبرامج الزيارة على خير وجه، وكان السكن والإعاشة والبرامج ببيت الشباب، وكانت فرصة لاندماج شباب دول مجلس التعاون بالأكاديميين والإداريين لإذابة الفروق بينهم، وإبعاد الرهبة عن الشباب. لفت نظري أحد الأساتذة الستة وهو الأستاذ الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك لما يتحلى به من أخلاق، وما يتصف به من بساطة وخفة دم، وسرعة اندماجه بالمجموعة. بقي هذا الرجل في ذاكرتي، فكنت ألتقيه ببعض المناسبات الثقافية، ونتذكر أيام المهرجان. وفي عام 1418هـ اضطلعت دار المفردات للنشر والتوزيع والدراسات بالرياض لصاحبها الأستاذ عبد الرحيم الأحمدي بالتحضير لإصدار (موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث.. نصوص مختارة ودراسات)، وشكلت لها لجنة علمية، كان من بين أعضائها الدكتور مرزوق، وكان لي دور هامشي متواضع، وهو البحث عن بعض المقالات والقصائد القديمة المنشورة لبعض الرواد في الصحف المبكرة التي لم يضمها كتاب، وتزويد اللجنة بها لكون عملي قد انتقل قبل فترة من الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى مكتبة الملك فهد الوطنية، ولوجود شيء من تلك الصحف القديمة بها. فأصبحت أتردد على الدار، وأصادف أعضاء اللجنة؛ فتوثقت علاقتي بهم، وبالذات ابن تنباك الذي تجاوب مع دعوتي له بزيارة المكتبة، والمشاركة بتسجيل شيء من ذكرياته والمحطات المهمة في حياته ضمن برنامج (التاريخ الشفهي للمملكة).
وكانت الزيارة بتاريخ 13/ 8/ 1420هـ، وبعد جولة سريعة بالمكتبة، وعلى مدى ثلاث ساعات، بدأ يروي تاريخ حياته قائلاً:
ولدت في بلاد مسروح بوادي الفرع على بعد 70كم من المدينة المنورة، ودرست الابتدائية في مدرسة ذي الحليفة (آبار علي)، ثم درست المتوسطة والثانوية بالمدينة المنورة. قال إنه أثناء دراسته يعمل مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المواسم. ويقول إن الفشل يتابعه منذ الدراسة الابتدائية؛ فقد وعد عند نجاحه بساعة يد، ولأن اسمه يبدأ بحرف الميم فقد سبقه زملاؤه الخمسة؛ لأن أسماءهم تبدأ بالحاء والدال؛ فجاء اسمه الأخير؛ فأشاع زملاؤه أنه آخر الناجحين؛ فحرم من الساعة لولا فزعة خالته (زوجة والده)، وإصرارها على شراء الساعة. وقال عن خالته إنها عوضته حنان الأم برعايتها وحبها للجميع.
والفشل الثاني عندما تقدم للجامعة الإسلامية بالمدينة بعد نجاحه في الثانوية العامة ليدرس الشريعة حتى يصبح محامياً، ولكن الذي قابله من مسؤولي تسجيل الطلاب استبعده وقَبِل زميله الذي تقل درجاته عنه، وعندما سأله لماذا لا تقبل مرزوق؟ قال: زميلك لا تظهر عليه علامات الورع فدعه يبحث عن جامعة غير جامعتنا! فأخذه أحد أقاربه إلى الشام ليتقدم إلى جامعة دمشق، فقيل له انتهى التسجيل، فبحث له قريبه عن واسطة فوجد (دلالاً) للبضائع فأخذه للجامعة فقابل المسؤول فسأله عن من يعرف من أبطال العرب؟ فرد سريعاً عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد.. فقاطعه أقصد في العصر الحاضر، فأجاب المودودي وسيد قطب وابن باز وشلتوت.. إلخ فالتفت المسؤول إلى الوسيط وقال: دعه يذهب فكل مناهجنا لا تنظف رأسه من غبار الوهابية.
فذهب إلى مكة المكرمة، وإلى كلية التربية، فقابل المسؤول، وعندما اطلع على شهادته وهو ينزل الدرج قال له: يا أخي لديكم الجامعة الإسلامية بكاملها بالمدينة، وهذه الكلية صغيرة (يدوبها) تكفي أهل مكة وبدو الطائف. وأردف قائلاً: لكني أنصحك بالذهاب إلى الرياض؛ فيها جامعة كبيرة لكل الناس.
وهكذا كان، ومنها إلى جامعة أدنبره في بريطانيا حيث حالفني الحظ؛ فانضممت إلى اتحاد الطلاب، ونجحت في الانتخابات الطلابية ممثلاً لزملائي في مجلس القسم بالكلية، وفي العام التالي كان من حقي الترشح لخوض الانتخابات مرة أخرى للفوز بمقعد في المجلس الأعلى للجامعة، ولكن موعد مناقشة الرسالة قد تم قبل الانتخابات بقليل، وتخرجت، فلو تم فسأكون أول طالب عربي ينتخب في المجلس الأعلى لجامعة أجنبية.
وقال إنه وزميله عوض القوزي يدرسان في قرية جنوب بريطانيا، وكانا يرتادان مطعماً يقدم المأكولات الشرقية، ويديره رجل من القارة الهندية، ظهر من سمته أنه مسلم، ولا يخلو مطعم في بريطانيا من ركن يقدم الخمور، منها هذا المطعم، وصاحبه هو الساقي في البار. سأله الدكتور عوض إن كان هناك مكان تقام به صلاة الجمعة في هذه القرية فأجاب في الحال: نعم، إذا كان يوم الجمعة فاحضروا؛ ستجدون المطعم مغلقاً، وفي خلف البناية مدخل يدخلكم إلى المسجد. ذهبنا مبكرين للصلاة، ودخلنا المسجد، وهو غرفة صغيرة، لا تتسع لأكثر من عشرة أشخاص. وجدنا فيها أربعة أفراد، وأمامهم صندوق شاي صغير، أدركنا أنه المنبر. ودخل الإمام يحمل عصا وكتابًا. سلم وجلس على المنبر (صندوق الشاي) وإذا هو صاحبنا الساقي في البار. التفت إلى عوض لأرى رد فعله، فقال: اسكت فأنت الآن مأمور بالإنصات. قرأ الإمام من الكتاب بلغة عربية سليمة، ودعا في الختام أن ينصر الله جيش السلطان عبد الحميد خليفة المسلمين وإمام المتقين وأمير المؤمنين، فأمّنا على دعواته وأقيمت الصلاة. وعند انصرافنا قال القوزي دعنا نصلي اليوم ظهراً ونلزم البيت.
استمرت علاقتنا بتواصل لقاءاتنا بالمؤسسات الثقافية، وبالذات مركز حمد الجاسر الثقافي والنادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون، وغير ذلك؛ مما قربنا من بعض أكثر. ولقيته بالقاهرة مع صديقه الراحل عوض القوزي، ومشاركتهم في لقاء مؤتمر لسان العرب عام 1428هـ/ 2007م، ودعاني لحضور لقاء أسبوعي مساء كل سبت بمنزله الذي يجمع عدداً من أعضاء هيئة التدريس والأصدقاء.
وعندما أعددت كتاب (بوادر المجتمع المدني في المملكة العربية السعودية) عام 1432هـ 2011م أطلعته عليه فأبدي إعجابه به وكتب مقدمته، وما زالت علاقتنا - ولله الحمد - مستمرة.
- ترجم له في معجم الكتاب والمؤلفين في (المملكة العربية السعودية) الدائرة للإعلام، ط2 1413هـ/ 1993م: دكتوراه في الأدب العربي من قسم الدراسات الشرقية بجامعة (أدنبره) البريطانية وموضوعها (أثر التغيرات السياسية والقبلية على الشعر في أول عهد بني أمية) عام 1403هـ 1983م.
- وترجم له في (دليل الكتاب والكاتبات) لجمعية الثقافة والفنون، ط3، 1415هـ 1995م: ولد بالمدينة المنورة عام 1370هـ، أنهى مراحل تعليمه الأولية في المدينة، بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من جامعة الملك سعود بالرياض عام 1395هـ. عُين معيداً في جامعة الملك سعود ثم أستاذاً مساعداً ثم أستاذاً مشاركاً. كذلك عمل وكيلاً لكلية الآداب فترة من الزمن. وذكر بعض مؤلفاته: الفصحى في نظرية الفكر العامي 1406هـ. الغيور والصبور.. دراسات.
- وترجم له في (موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين خلال مائة عام) لأحمد سعيد بن سلم، ط2، 1420هـ/ 1999م، فهو أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة الملك سعود، يجيد اللغة الإنجليزية، وله مقالات علمية متخصصة، نشرت في مجلة الجامعة، وله مشاركات ثقافية في وسائل الإعلام المختلفة. وذكر من مؤلفاته التي لم تذكر من قبل:
- التحدي الحضاري الذي يواجهه الغير في الفصحى.
- رسائل إلى الوطن.
- النخبة بين ادعاء الوطنية وممارسة التحيز.
- الضيافة وآدابها.
- جمرات الحجاز.
- في سبيل لغة القرآن.
- وترجم له في (موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث) ط1، 1422هـ/ 2001م ضمن أعضاء اللجنة العلمية وإنجازه المجلد الثالث (المقالات) نصوص مختارة. وذكرت: كما رأس اللجنة الاجتماعية ومجلس إدارة صندوق التكافل بالجامعة، وشارك في كثير من اللجان العلمية، منها: لجنة وضع الأسماء العربية، ولجنة دليل القسم الخاص بالجامعات الأوروبية، كما شارك في بعض المؤتمرات العلمية مثل مؤتمر مهرجان الشعر والقصة الثالث لدول الخليج بأبها 1408هـ، ومؤتمر التغيرات الاجتماعية في الأدب العربي المعاصر بالهند 1985، ومؤتمر لسان العرب بالقاهرة 1421هـ.
- حاصل على جائزة مكتب التربية لدول الخليج العربي لعام 1406هـ عن كتابه (الفصحى ونظرية الفكر العامي).
- وترجم له في (دليل الأدباء بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية) الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ط2، 1432هـ/ 2013م. ذكر أنه شارك في ثلاثين مؤتمراً أدبياً محلياً وخارجياً، وخمسين ندوة ومحاضرة، مع عضويته في عدد من الجمعيات واللجان، وصدر له اثنا عشر كتاباً، منها: الوأد عند العرب بين الوهم والحقيقة ط1، 1425هـ، 2004م. وحصوله على الجوائز والأوسمة، إضافة لجائزة مكتب التربية لدول الخليج العربية، وتكريم الجامعة العربية تقديراً لأعماله، 1426هـ 2005م. ومن مشروعاته الأدبية: إنجاز موسوعة القيم والأخلاق العربية والإسلامية 52 مجلداً، عضو اللجنة العلمية لموسوعة الأدب العربي السعودي الحديث.
- وترجم له في (موسوعة الشخصيات السعودية) لمؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، ط2، 1434هـ/ 2013م.
- وترجم له في (قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية) إعداد دارة الملك بعد العزيز ط1، 1434هـ/ 2013م، وقال عنه المترجم سعد سعيد الرفاعي: .. من مواليد بلاد مسروح بالمدينة المنورة، ودرس الابتدائية في مدرسة ذي الحليفة (آبار ع لي).. بدأ حياته العلمية معيداً في جامعة الملك سعود فور تخرجه من كلية الآداب، ثم عاد من بعثته في بريطانيا ليعمل أستاذاً فيها، واستمر حتى تمت ترقيته إلى درجة الأستاذية.
يتميز بنشاطه المتعدد، وحضوره القوي في الساحة الثقافية، ويبرز فاعلاً في عدد غير قليل من الجمعيات العلمية، مثل جمعية لسان العرب، وجمعية حماية اللغة العربية، وهو عضو لجنة وضع الأسماء العربية 1404هـ، وعضو لجنة وضع مناهج دراسية للرئاسة العامة لتعليم البنات سنة 1415هـ، وسبقها بعضويته بلجنة وضع مناهج دراسية لوزارة المعارف 1406هـ.
شارك في الإشراف ومناقشة عدد كبير من الرسائل والأطروحات الجامعية، كما شارك في الأعمال الإدارية للجامعة وكيلاً لكلية الآداب، وعميداً بالإنابة. عُرف بموقفه العروبي المنحاز إلى اللغة العربية ضد العامية، ويتميز بالبحث الجاد، والاستقلال الفكري، والرؤية العميقة، والطرح القائم على المنطلق العقلي. ولمحصلة ذلك فقد كان له الحضور اللافت في المؤتمرات والمناشط الثقافية. كما حصل على جوائز تقديرية عدة.