سهام القحطاني
«إلى جميع الفتيات اللواتي واجهن إجحافا وتم إسكاتهن، معا سوف نُسمع صوتنا»-ملالا-
من «ملالا يوسفزاي» إلى «زهرة شاه» تثبت الأيام أن الأضحيات لا تُنهي لعنة الألم وأن حكايات الوجع مازالت تختبئ بين حنايا ليل طويل يبدو أن لا فجر قريب له.
«ملالا يوسفزاي» الفتاة التي شغلت قصتها العالم صوتا وصورة لتُصبح أصغر مناضلة حقوقية في العالم في مجال التعليم وأصغر من حصل على جائزة نوبل للسلام، لكن الرحلة من باكستان إلى القاعة الفاخرة في أوسلو كانت رحلة مليئة بالألم.
ولدت في قرية لا تؤمن إلا بالرجال تقول في كتابها *»أنا ملالا» ولدتُ أنثى في أرض تطلق الرصاص ابتهاجا بمولد الذكور، أما البنات فيُوارين عن الأنظار».
لكنها كانت مختلفة فقد ولدت بمصاحبة قدر البطولة الذي ابتدأ باسمها «ملالا» تقول إن والدها اختار لها هذا الاسم تيمنا باسم البطلة الأفغانية «ملالاي مايوندا» التي شاركت في معركة مايواند ضد الجيش البريطاني واستشهدت في ساحتها.
فهل كان والدها يملك القدرة على الاستشراف بأن هذه الفتاة التي أطلق عليها اسم بطلة ستُصبح هي ذاتها بطلة؟ كانت علاقة ملالا بوالدها مختلفة فهي بالنسبة له» الكون كله لقد كنت رفيقة الكفاح لفترة طويلة». كان والدها رجلا تنويريا فقد آمن بحق الفتاة في التعليم وناصر هذا الحق، كما آمن بتطرف الطالبان، وهما أمران دفع الطالبان للانتقام منه، من خلال محاولة اغتيال ابنته بثلاث رصاصات.
ثلاث رصاصات غيرت حياة ملالا، فقد تعلمت منها أشياء كثيرة أولها «تحدي الموت» فعندما «ترى الموت فإن الأشياء تتغير لديك»-ملالا-
تجربة تختصرها بقول «تغير عالمي ولكني لم أتغير». نشأت ملالا بعقلية مختلفة عن فتيات بيشاور ولعل لأسرتها التي كانت مولعة بالعلم والأدب دور في ذلك فتقول «لحسن الحظ ولدت لأب احترم حرية تفكيري وتعبيري وجعلني جزءا من دعوته للسلام ولأم أعانت أبي وشجعتني في دعوتنا للسلام ونشر التعليم».
وضمن هذا الفضاء تشكلت شخصية مستقلة ضد القيد، آمنت باستقلال النساء الباكستانيات، والاستقلال كما تقول «أن تكون قراراتنا نابعة من أنفسنا نريد أن تكون لنا الحرية».
شخصية تميزت بالتمرد وهو ما جعلها تجد صعوبة في تقبل تقاليد البشتونية لأنها خارج إطار قيم الحضارة من تسامح وتعايش مع الآخر ولذلك كانت ترفض تغطية وجهها مثل بقية الفتيات.
كانت شخصية تحب التحدي تؤمن بالخسارة لكنها لا تؤمن بالهزيمة ولذا كانت تطور ذاتها كلما تعرضت لإخفاق فتقول «فليس من الضروري أن يكون الانتصار من نصيبك طالما لم تسع إلى ذلك بجد» أحبت التأليف ومهارة الإلقاء؛ لأنها آمنت بأن الكلمات هي الصوت الذي يخترق حدود الأيديولوجيات والضوء الذي يمنح الأمل للقابعين في حفر الظلمات.
كانت شخصية ثورية شجاعة وتلك الثورية والشجاعة هي التي جعلتها تعرض على والدها القيام بمهمة رصد الحياة اليومية لبيشاور في ظل حكم الطالبان لمصلحة هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» من خلال مدونة تابعة للإذاعة تحت اسم مستعار هو «جول مكاي» وهو اسم بطلة لإحدى القصص في التراث الشعبي لدى البشتون ولعله اختيار يتوافق مع قدر البطولة التي صاحبها منذ ميلادها. لقد تعلمت من خلال تجربة المدونة كما تقول: إن «القلم وما يخطه من كلمات يمكن أن يكونا أقوى تأثيرا من البنادق ..وأدركت كم نكون مؤثرين عندما نعبّر عن رأينا ونجهر به».
كسرت تجربة الموت داخلها حواجز الخوف ومنحتها قوة النضال كما علمتها إرادة الحياة، كانت أكثر من حكاية مصورة لذا كانت ترفض أن تكون مجرد «الفتاة التي أطلق عليها الطالبان النار بل الفتاة التي ناضلت من أجل حق التعليم» لأنها آمنت كما قالت في كلمتها في الأمم المتحدة بأن «طفل واحد ومعلم واحد وكتاب واحد وقلم واحد يمكنهم أن يغيروا العالم».
لقد آمنت بأن التعليم في باكستان هو الخلاص لمآسي الأطفال وخاصة الفتيات اللائي كن يتعرضن كل يوم للاغتيال برصاص السُخرة والجهل والفقر والعنف.
نجحت ملالا أن توصل صوتها للعالم لكنها لم تنجح في إنقاذ فتيات باكستان من حكايات الألم؛ لأن الصوت مهما كان قويا ومؤثرا بلا قانون يسانده ووعي يستثمره لا يمكن تحقيق غايته، لكن المؤكد أن نساء باكستان قبل حكاية ملالا تاريخ وبعد حكايتها تاريخ آخر.
وسيظل التاريخ يُعرّفها بأنها «الفتاة التي تحدّت رصاص التطرف والإرهاب».
*كتاب أنا ملالا-ترجمة أنور الشامي-المركز الثقافي العربي