د. حسن بن فهد الهويمل
حقل الدكتور (طه حسين) في مكتبتي من أوسع الحقول، وأشملها؛ جمعت فيه كل ما أملاه، وجُل ما كُتب عنه. ولما أزل أتابعه بشغف.
أحب أسلوبه، وغزارة علمه، وأكره فكره، واستغرابه. وأمقت التهافت، والتقديس والتصنيم له، ولغيره.
أحب (العقاد)، وأحب فكره، ولكنني لا ألغي ذاتي في عالمه، ولا أسلّم له بكل رؤيته.
العلماء، والمفكرون، والأدباء بشر خطاؤون، والتسليم المطلق لأحدهم تعطيل للاجتهاد، وإلغاء للذوات، وتجميد للحركة العلمية.
لُقّبَ طه حسين بـ(عميد الأدب العربي)، وطار بها مريدوه فرحًا، وعدّوها منقبة لم يرقَ إليها أحدٌ من لداته، ومجايليه.
هذا اللقب الباذخ صرف الأنظار عن كل منقصة فيه، وأعشى العيون عمن سواه. حتى لقد بلغ به البعض حد العصمة المطلقة، التي لم تكن للأنبياء، بحيث لا يُسأل عما يفعل! وجاء من يقول بأن اللقب جاء نتيجة مشكلة سياسية لـ(طه حسين) مع (القصر)، وأنه أُغري بمناصب لكسبه، ولكنه لم يذعن؛ فطُرد من عمادة (كلية الآداب)، وخرجت مظاهرات صاخبة لقبته بـ(عميد الأدب العربي).
تنفس مريدوه الصعداء بهذه الفرية، وأشاعوها؛ ليغطوا جنحته الفكرية.
القضية المؤكدة بالوقوعات والوثائق أن (طه حسين) كان يكتب مقالًا أسبوعيًّا في إحدى المنشورات، ويذيل اسمه بـ(عميد كلية الآداب). ولما جمع محاضراته التي كان يلقيها على طلبته، وأصدرها في كتابه الضجة (في الشعر الجاهلي) مؤكدًا انتحال الشعر الجاهلي، ومكذبًا فيه القرآن بصريح العبارة، حوكم، وطُرد من الجامعة، وأُلزم بحذف أربعة مقاطع من كتابه؛ فاجتهد صاحب الجريدة من عند نفسه، وذَيّل اسم (طه حسين) بـ(عميد الأدب العربي).
ولما كان الشعب المصري في حالة اهتياج ضد (القصر، والاستعمار) طار بهذا اللقب، يتصدرهم الحداثويون، والمستغربون، وأشاعوا هذا اللقب، واعتبروه من الأمة، وليس من صحفي مغمور. وظلت تلك الفرية متداولة بين الأشياع، والأتباع.
والحق أنه حوكم، وأُرغم على حذف أخطر سطرين من كتابه (في الأدب الجاهلي)، وهما اللذان كذّب فيهما القرآن الكريم؛ إذ أنكر دخول (إبراهيم) عليه السلام الجزيرة، وبناء الكعبة.
ولما سيطر الحداثويون على مشاهد الأدب في (مصر) أُعيد طبع الكتاب، وأُعيد المحذوف كله.
في مشاهدنا مَن يروج مثل هذه التلفيقات بدافع حداثوي، ومنهم أشياع يقولون ما لا يعلمون.
(طه حسين) في مستوى اللقب، والخلاف حول من أنشأه.
أما لقب (أمير الشعراء) لشاعر القصر وربيبه (أحمد شوقي) فقد جاء نكاية بـ(مدرسة الديوان)، وبـ(العقاد) بالذات؛ لأنه الوحيد الذي تجرأ على (شوقي) ونقده. فـ(القصر) هو الذي أوصى بتكريم شوقي عام 27م، وأُقيم حفل عربي، تبارى فيه الشعراء:-
(أمير القوافي قد أتيت مبايعاً)
وكان للمملكة مشاركة لم تتم لظروف سياسية، وكان الشاعر (البليهد) هو ممثل المملكة.
وفي هذا الصدد أُنشئت (مدرسة أبللو) لتكون ضد (مدرسة الديوان). ولما انكشف أمرها هجرها (شادي)، وهاجر لـ(أمريكا).
تلكم هي قصة: الإمارة، والعمادة. والأمر يحتاج إلى تفصيل، وتوثيق، لا تتسع له مساحة الزاوية.
ما أوده التثبت، وعدم الاهتياج الأعزل.
الغريب أن المواقع تكاد تجمع على تجاهل الحقيقة، والقول بأن الشعب هو الذي لقبه بعميد الأدب العربي.
طه حسين ظاهرة معرفية وأسلوبية لا تنازع. وهو مدرسة أدبية، ونقدية، ترك إرثًا لا يُستغنَي عنه.
ما نرفضه تجاهل المحاكمة، والأحكام، والتغاضي عن دور (القصر) والسياسة في الأحداث الأدبية..!